أكد الدكتور مخلص الناظر، لنائب الأول لحاكم مصرف سوريا المركزي، أن المشهد الاقتصادي العالمي قد دخل مرحلة جديدة غير تقليدية، تتجاوز التفسيرات الكلاسيكية للسياسة النقدية، مشيرًا إلى أن الأسواق المالية – بما فيها سوق الذهب – لم تعد تتجاوب بالدرجة الأولى مع تحركات الفيدرالي الأمريكي، بل مع حجم السيولة الحكومية المتدفقة إلى الاقتصاد.
قال في تصريحات صحفية، “اليوم، سعر الفائدة في الولايات المتحدة يبلغ 4.5%، والأنظار تتجه إلى تصريحات جيروم باول، رئيس الفيدرالي الأمريكي”.
أضاف”لكن سواء خفّض الفائدة بنسبة 1% أم لم يفعل، فإن السوق قد يرتفع في الحالتين، لماذا؟ لأن السياسة النقدية لم تعد المحرك الأول للأسواق.”
التحول من “المركزي” إلى “المالي”
ويرى الدكتور الناظر أن ما نشهده حاليًا هو ما يُعرف اقتصاديًا بـ “الهيمنة المالية” (Fiscal Dominance)، أي أن السياسة المالية – وليس النقدية – هي من تقود الأسواق، ففي حين يواصل الفيدرالي الأمريكي التشديد النقدي، قامت الحكومة الأمريكية خلال السنوات الخمس الأخيرة بضخ أكثر من 10 تريليونات دولار في الاقتصاد، من خلال برامج إنفاق وتحفيز واسعة.
الذهب يستجيب للسيولة.. لا للفائدة
ويضيف الدكتور الناظر:”من الطبيعي أن نقول، لو عدنا إلى أوائل 2022 وأخبرنا المحللين أن الفيدرالي سيرفع الفائدة من 0% إلى 5.5%، لتوقعوا انهيارًا في الأسواق ودخولًا في ركود، لكن الواقع جاء مختلفًا؛ الأسهم صعدت، شركات التكنولوجيا استعادت زخمها، وحتى الذهب – الذي يُفترض أن يتأثر سلبًا بارتفاع الفائدة – قفز إلى مستويات تاريخية. السبب؟ السيولة، وليس سعر الفائدة.”
وأوضح أن الذهب، باعتباره مخزنًا للقيمة ومؤشرًا حساسًا لحجم السيولة في السوق، يتفاعل بدرجة أكبر مع السياسات المالية التوسعية، لا مع رفع أو خفض أسعار الفائدة فقط، ومع بلوغ المعروض النقدي (M2) في الولايات المتحدة نحو 22 تريليون دولار، فإن الذهب يجد أرضية صلبة للاستمرار في الاتجاه الصاعد.
نهاية التشديد الكمي.. بداية موجة ذهبية؟
وأشار الدكتور الناظر إلى أن الأسواق تترقب إعلانًا محتملًا من الفيدرالي بإنهاء برنامج التشديد الكمي (QT)، ما يعني عودة تدريجية إلى ضخ السيولة، وهي خطوة يُرجّح أن تدفع الذهب إلى مزيد من المكاسب.
“نحن في مرحلة دقيقة للغاية: إذا توقّف الفيدرالي عن سحب السيولة، فهذا يعني دخول الأسواق في موجة جديدة من الانتعاش، يقودها الذهب، كما رأينا في فترات التيسير السابقة”، بحسب الناظر.
توصية للمراقبين: راقبوا المالية لا النقدية
واختتم الدكتور مخلص الناظر حديثه بنصيحة للمستثمرين والمحللين:”لفهم الأسواق اليوم، لا تكتفِ بمتابعة قرارات الفيدرالي، راقب إلى أين تذهب أموال الحكومة، ومن يحصل على السيولة، وكيف تُعاد تدويرها في النظام المالي، فحركة الذهب الآن لا تُقرأ من عدسة الفائدة، بل من عدسة الإنفاق العام والتوسع المالي.”
تصريحات الدكتور الناظر تعكس إجماعًا متناميًا بين كبار الاقتصاديين بأن الذهب قد يدخل في دورة صعود جديدة مدعومة بسياسات مالية توسعية وتباطؤ التشديد النقدي، وبالنسبة للأسواق الناشئة، مثل الشرق الأوسط، فإن ارتفاع الذهب يُشكّل فرصة استثمارية، لكنه أيضًا ينذر بتحديات على مستوى الميزان التجاري وأسعار الواردات في حال استمر الدولار في الصعود تزامنًا.