رغم تجاوز أسعار الذهب في الأسواق العالمية حاجز 3400 دولار للأوقية خلال 2025، ما تزال الولايات المتحدة تُقيّد السعر الرسمي لاحتياطياتها الذهبية عند 42.22 دولارًا فقط، في رقم ثابت لم يتغير منذ أكثر من نصف قرن.
هذا التباين الصارخ بين “السعر المحاسبي” و”السعر السوقي” يثير تساؤلات حول دوافع واشنطن للإبقاء على هذا الرقم، الذي يعد إرثًا مباشرًا من النظام النقدي العالمي الذي انهار قبل عقود.
جذور تاريخية: من بريتون وودز إلى صدمة نيكسون
تعود القصة إلى عام 1944، عندما أُنشئ نظام بريتون وودز، الذي ربط العملات العالمية بالدولار، وربط الدولار نفسه بالذهب بسعر ثابت 35 دولارًا للأوقية، كان بإمكان البنوك المركزية حول العالم تحويل احتياطياتها الدولارية إلى ذهب من الخزانة الأمريكية عند هذا السعر.
لكن مع تراكم العجز الأمريكي وتصاعد الطلب العالمي على استبدال الدولارات بالذهب، أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون في أغسطس 1971 وقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، في خطوة عُرفت بـ”صدمة نيكسون”، ما أنهى عمليًا عصر الذهب كدعامة مباشرة للعملات.
تعديل 1973: سعر محاسبي جديد
بعد انهيار النظام القديم، حددت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 1973 سعرًا جديدًا للذهب عند 42.22 دولارًا للأوقية، ليُستخدم في الأغراض المحاسبية فقط، وبقي هذا السعر ثابتًا منذ ذلك الحين.
اليوم، تُقيّم واشنطن نحو 261.5 مليون أوقية من الذهب في خزائنها – أبرزها في فورت نوكس – على أساس هذا السعر، بما يعادل 11 مليار دولار في دفاتر الحكومة، بينما تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 860 مليار دولار.
لماذا لا تُحدّث أمريكا السعر؟
المحللون يرون أن هناك عدة أسباب وراء إبقاء السعر الرسمي منخفضًا:
-
أثر تاريخي: الحفاظ على الرقم كمرجع محاسبي من عهد بريتون وودز.
-
اعتبارات سياسية: أي تعديل للسعر الرسمي قد يثير تساؤلات داخلية وخارجية حول قوة الدولار وقيمة الاحتياطي الذهبي.
-
تأثيرات مالية: رفع السعر المحاسبي سيزيد من حجم الأصول الحكومية على الورق، ما قد يؤثر على مؤشرات الدين الفيدرالي والموازنة العامة، ويخلق ضغوطًا سياسية بشأن كيفية استغلال هذه “القيمة المضافة”.
-
أداة تفاوضية: بعض الخبراء يعتبرون أن إبقاء السعر الرسمي منخفضًا يمنح واشنطن ورقة مالية صامتة يمكن تفعيلها في حالات إعادة هيكلة النظام النقدي العالمي أو أزمات السيولة الكبرى.
البعد الاستراتيجي
في سياق التحولات الجيوسياسية والتجارية، قد يُنظر إلى الذهب كعنصر استراتيجي في السياسة النقدية الأمريكية، وليس مجرد أصل احتياطي، ومن ثم فإن إبقاء السعر الرسمي بعيدًا عن السوق قد يمنح الخزانة الأمريكية مرونة أكبر في إدارة هذا الأصل بعيدًا عن تقلبات الأسواق والمضاربات.
السعر الرسمي البالغ 42.22 دولارًا ليس سوى رقم رمزي، لكنه يعكس إرثًا من الماضي وسياسة مالية محسوبة. وفي عالم يشهد دعوات متزايدة لإعادة النظر في هيمنة الدولار وربطه بأصول حقيقية، قد يصبح هذا الرقم يومًا ما محور نقاش عالمي إذا قررت واشنطن إعادة توظيف الذهب في نظام نقدي جديد.