تواصل أسعار الفضة تداولها قرب أعلى مستوياتها في 14 عامًا، مدفوعة بارتفاع الطلب الاستثماري، فيما تبقى مكوناتها الصناعية محور جذب للتقلبات والاهتمام.
خلفية سياسية واقتصادية
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية الأسبوع الماضي أمرًا تنفيذيًا استثنى بعض المعادن الاستراتيجية مثل الذهب والجرافيت والتنجستن واليورانيوم من التعريفات الجمركية، غير أن الفضة لم تُدرج في هذه القائمة، ما فتح باب الشكوك بشأن مستقبلها التجاري ورفع حدة المخاطر في السوق.
قفزة غير مسبوقة في معدلات الإيجار
انعكس هذا الغموض مباشرة على سوق الإقراض، حيث ارتفعت معدلات تأجير الفضة إلى مستويات غير معتادة، وقال برنارد دحداح، محلل المعادن الثمينة في بنك Natixis، إن المعدلات تحركت إلى المنطقة السالبة عند نحو 1.2- %، أي أن المستعير أصبح يدفع بدلًا من أن يحصل على عائد، بينما المالك الذي يؤجر الفضة يجني ما يقارب 5.5% على أساس 3 أشهر.
وأضاف أن هذه القفزة جاءت بعد إدراج الفضة الشهر الماضي في قائمة المعادن الحيوية للحكومة الأميركية، وهو ما زاد من الطلب الفعلي وخفّض حجم المعروض المتاح للتأجير في سوق لندن، وقد ارتفع فرق السعر بين عقود COMEX والفضة الفورية في لندن من متوسط تاريخي عند 25 سنتًا إلى 1.1 دولار للأونصة، ما يعكس الطلب الأميركي القوي.
شح في المخزونات العالمية
وفقًا لتقارير من محللي السلع في TD Securities، فإن المخزونات الفعلية للفضة لدى رابطة سوق لندن للسبائك (LBMA) عند مستويات متدنية للغاية، ويُتوقع أن تُستنزف في غضون سبعة أشهر، بل قد تنفد خلال أربعة أشهر إذا ارتفع الطلب الاستثماري عبر صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالفضة.
هذا الشح ظهر أيضًا في فجوة الأسعار بين العقود الآجلة في نيويورك وسوق لندن الفوري، حيث يتم تداول عقود ديسمبر بزيادة تقارب 55 سنتًا عن السعر الفوري.
توقعات السوق
رغم استمرار الضغوط، يتوقع دحداح أن تشهد معدلات الإيجار بعض التراجع في الشهر المقبل، مع الإشارة إلى أن المخاطر المرتبطة بفرض تعريفات على الفضة تبقى قائمة وإن كان حدوثها غير مرجح، فالولايات المتحدة لا يغطي إنتاجها المحلي سوى ثلاثة أرباع احتياجاتها، وتضطر إلى استيراد نحو 1,000 طن سنويًا.
ومن المقرر أن تصدر نتائج التحقيق الأمريكي بشأن المعادن الحرجة (Section 232 Investigation) منتصف أكتوبر المقبل، وهو ما قد يتضمن توصيات تخص الفضة، سواء بإضافة تعريفات أو استبعادها، أي إعلان رسمي مطمئن قد يساهم في تهدئة السوق سريعًا.
الفضة تقف اليوم على مفترق طرق بين كونها أصلًا استثماريًا صاعدًا مدفوعًا بالطلب والملاذ الآمن، وبين كونها موردًا صناعيًا حيويًا يواجه ضغوط العرض والمخاطر التجارية، وفي الحالتين، يظل التوازن الدقيق بين قرارات السياسة الأمريكية ومعدلات الطلب العالمي هو المحدد لمستقبل أسعار المعدن الأبيض في المرحلة المقبلة.