كشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن تراجع ملحوظ في السيولة بسوق الذهب الصيني خلال أغسطس الماضي، حيث لجأ المستثمرون إلى تصفية جزء من حيازاتهم في الذهب المادي وصناديق المؤشرات (ETFs)، بالتزامن مع هبوط أحجام التداول في عقود الذهب الآجلة، ويأتي هذا التوجه نتيجة قيام شريحة واسعة من المستثمرين بجني أرباح من المعدن النفيس والاتجاه نحو الأسهم التي تشهد موجة صعود قوية.
ورغم هذا الضعف في جانب الاستثمار، يشير راي جيا، رئيس قسم الأبحاث بالصين في مجلس الذهب العالمي، إلى أن انتعاش الطلب على الحُلي وارتفاع الواردات، بجانب استمرار موجة صعود الأسعار عالميًا، يعزز فرص عودة الاستثمارات في الذهب خلال الفترة المقبلة.
مكاسب سعرية مدعومة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية
سجّل الذهب في الصين شهرًا آخر من المكاسب القوية خلال أغسطس، مدفوعًا بتوقعات التضخم المرتفع، وترقب الأسواق لخفض الفائدة من الفيدرالي الأمريكي، واستمرار ضعف الدولار. كما ساهمت المخاطر الجيوسياسية والتجارية العالمية في دعم الأسعار.
لكن على صعيد الطلب المحلي، تراجعت المشتريات بالجملة إلى 85 طنًا خلال الشهر، بانخفاض قدره 9 أطنان عن يوليو، وبفارق سنوي 17 طنًا، لتسجل أدنى مستوى لشهر أغسطس منذ 2010.
وعزا التقرير هذا الانخفاض إلى تراجع مبيعات السبائك والعملات الذهبية، إذ فضّل المستثمرون توجيه أموالهم نحو أسواق الأسهم، حيث قفز مؤشر CSI300 بنسبة 10% في أغسطس، في أقوى أداء شهري منذ سبتمبر 2024.
صناديق الذهب المتداولة (ETFs)
واصل المستثمرون الصينيون بيع حيازاتهم في صناديق الذهب، حيث شهدت السوق خروجًا جديدًا بقيمة 6 مليارات يوان (834 مليون دولار) خلال أغسطس، وأسفر ذلك عن تراجع الأصول تحت الإدارة بنسبة 2% لتستقر عند 148 مليار يوان (21 مليار دولار)، بينما انخفضت الحيازات بواقع 7.7 طن لتسجل 189 طنًا.
وأوضح جيا أن الأداء القوي للأسهم، إلى جانب تحركات الذهب المحدودة خلال معظم أيام أغسطس، كانا من أبرز العوامل التي ضغطت على الطلب في صناديق الذهب المتداولة.
العقود الآجلة والطلب الاستهلاكي
انخفضت أحجام التداول في العقود الآجلة للذهب ببورصة شنجهاي بنسبة 26% على أساس شهري لتصل إلى 231 طنًا يوميًا، لكنها لا تزال أعلى من متوسط الأعوام الخمسة الأخيرة (216 طنًا).
في المقابل، انتعشت أنشطة تجديد مخزون الحلي لدى بائعي التجزئة مع مناسبة “عيد الحب الصيني”، لكن ضعف شهية الاستثمار غطّى على هذه الزيادة.
مشتريات البنك المركزي والواردات
واصل بنك الشعب الصيني سياسته في تعزيز احتياطاته من الذهب للشهر العاشر على التوالي، حيث أضاف 1.9 طن جديدة خلال أغسطس، لترتفع الاحتياطيات الرسمية إلى 2,302 طن، أي ما يمثل نحو 7% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للصين. وبلغ إجمالي مشتريات البنك المركزي منذ بداية 2025 نحو 22.7 طنًا.
أما على صعيد الواردات، فقد أظهرت بيانات الجمارك ارتفاعًا كبيرًا في يوليو إلى 89 طنًا، بزيادة 50 طنًا عن يونيو، و53 طنًا على أساس سنوي، مدفوعة بتوقعات بارتفاع الطلب في الربع الثالث ووجود علاوات سعرية محلية مشجعة.
التوقعات المستقبلية
يتوقع مجلس الذهب العالمي أن يشهد الطلب الاستثماري على الذهب في الصين تعافيًا خلال الفترة المقبلة، مع استمرار ارتفاع الأسعار وبدء التجار في تعزيز مخزوناتهم استعدادًا لموسم العطلات الوطنية في أكتوبر، إلى جانب المعارض والمهرجانات الخاصة بالمجوهرات في سبتمبر، التي غالبًا ما تنعش الطلب بالجملة.
سوق الذهب الصيني يعيش حالة من التناقض، فالمستثمرون الأفراد وصناديق الاستثمار يقلصون انكشافهم على الذهب لصالح الأسهم، وفي المقابل، البنك المركزي يزيد احتياطياته والواردات تنتعش، مع تحسن تدريجي في الطلب على المجوهرات، والمشهد يشي بأن السوق قد يشهد موجة استثمارية جديدة مع نهاية الربع الثالث، خاصة إذا استمرت أسعار الذهب في اتجاهها الصعودي.