كتب: وليد فاروق
قال راي جيا وماريسّا سليم، الباحثان في مجلس الذهب العالمي، إن الذهب يكتسب زخمًا استثنائيًا لدى المستثمر الياباني في لحظة تتقاطع فيها ضغوط التضخّم مع تحوّلٍ حذر في سياسة بنك اليابان، مؤكدَين أنّ المعدن الأصفر ما زال «منخفض الحضور» في المحافظ مقارنةً بالأسهم والسندات، رغم تفوّقه السعري في العامين الأخيرين.
وأضاف جيا: «لسنا أمام موجة عابرة؛ العبرة هنا ببناء محافظ تتحمّل صدمات التضخّم وتقلبات السياسة والأسواق، تاريخيًا، حافظ الذهب على قيمته ووفّر عوائد طويلة الأجل وجدار حماية وقت الأزمات، وهذه ضرورة عملية في اليابان اليوم».
وتابعت سليم: «تزايد الارتباط بين عوائد الأسهم والسندات في بيئة تضخمية يضيّق هوامش التنويع التقليدي، بينما يضع الذهب في قلب معادلة توزيع المخاطر».
خلفية اقتصادية: انتعاش رُبعي… وغموض أمامي
سجّل الاقتصاد الياباني نموًا قدره 0.5% بالربع الثاني من 2025 على أساس فصلي، مدفوعًا باندفاع الصادرات قبل سريان تعريفات أمريكية، وساعدت زيادة الأجور على تسارع الاستهلاك رغم ارتفاع التكاليف.
لكن جيا يحذّر: «قوة الين إذا استمرّت، وتباطؤ النمو العالمي، والرسوم الأمريكية الأخيرة، وعدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء السابق — كلها عوامل تجعل الرهان على صافي الصادرات كمحرّك للنمو مجددًا أمرًا صعبًا».
وفي التضخّم، تشير سليم إلى أن «التضخّم الأساسي (من دون الغذاء الطازج والطاقة) بلغ 3.4% في يوليو، وهو أعلى مستوى منذ يناير 2024، مدفوعًا بارتفاع الأجور لأعلى وتيرة في عقود ونقصٍ مزمن في العمالة — ما يعزّز دوّامة الأجور–الأسعار».
سياسة بنك اليابان: حذرٌ برفعٍ محدود
بعد رفع الفائدة 0.25% مطلع العام، أبقى بنك اليابان لهجته حذرة: «التضخّم يضغط إلى الأعلى، والنمو يواجه تحديات»، بحسب جيا. ويضيف: «هذا يفتح الباب لتعديلات إضافية قد تزيد تقلبات السندات الحكومية اليابانية، فيما يميل ارتباط الأسهم والسندات للصعود مع الضغط السعري — ما يقلّص مساحات التحوّط التقليدي».
أداء الأصول: ذهب بالين يتقدّم الجميع
على صعيد الأداء، تقول سليم إن «الذهب المقوّم بالين صعد بنحو 40% في 2024، وأضاف قرابة 23% منذ بداية 2025 وحتى 29 أغسطس»، مدعومًا بمزيج من مخاطر الاقتصاد الكلي، وضعف الدولار، وعوامل فنية. وتعلّق: «في السيناريوهات الاقتصادية المختلفة يبقى أساس الحكاية واحدًا: الذهب يوازن المخاطر داخل المحفظة».
ملكية الذهب: انتشار ضعيف وتحيّز للثروة
تكشف أرقام مجلس الذهب العالمي أن 73% من المستثمرين اليابانيين يمتلكون أسهمًا، بينما لا تتجاوز ملكية الذهب 23% في العينة الرئيسة.
وتؤكّد سليم: «مسحٌ مُوازٍ مع State Street أظهر ملكية عند 28%، وترتفع النسبة إلى 36% لدى من تتجاوز محافظهم 20 مليون ين».
ويضيف جيا: «حتى بين المالكين، تخصيص الذهب يدور غالبًا بين 1% و10% — وهو نطاق يتّسق مع دراساتنا لتوزيع الأصول».
كيف يتعرّض اليابانيون للذهب؟
يشير الباحثان إلى أن الذهب المادي (سبائك/عملات)، وصناديق المؤشرات المتداولة على الذهب (ETFs)، وخطط الادخار الذهبية (GAP) هي القنوات الأكثر شيوعًا بين المالكين الحاليين.
تقول سليم: «يميل أصحاب الأفق الطويل لاستخدام الذهب المادي للادخار للتقاعد وتمويل الطوارئ، فيما يرى كثيرون صناديق الذهب المتداولة وسيلة مناسبة لعوائد طويلة الأجل فوق المتوسّط».
دوافع الشراء… و«الشعور» المطلوب
يوضح جيا أن أهداف المستثمر الياباني «طويلة الأجل بطبعها: تنمية الثروة، وتأمين التقاعد، وبناء احتياطي للطوارئ».
ويضيف: «هنا يتقاطع الذهب مع ثلاثة احتياجات: التحوّط من التضخّم، إمكانية تنمية الثروة على المدى الطويل، وتخفيف آثار الصدمات».
على الصعيد العاطفي، تقول سليم: «كلمة السر هي الأمان والطمأنينة، الذهب — بصفته ملاذًا آمنًا وقيمة مستقرة نسبيًا عبر الزمن — يلبي هذه الحاجة أفضل من غيره».
أما محفّزات الدخول الأولى فتضمّ — بحسب جيا — «الاستفادة من الأداء القوي مؤخرًا، وتأكيدات من مصادر موثوقة بانخفاض المخاطر النسبية، وملاحظة توجهات استثمارية بعينها، إضافةً إلى توصيات المستشارين ومنشورات مالية».
لماذا لا يزال “ناقص التمثيل”؟
تكشف سليم أن «من بين 73% ممّن لم يستثمروا في الذهب من قبل، أفاد 47% أنهم غير مرجّحين للاستثمار به أصلًا، مقابل 10% فقط يدرسون الشراء خلال 12 شهرًا».
وفي المقابل، «58% ممن امتلكوا ذهبًا خلال السنوات الخمس الماضية يُرجّح أن يعاودوا الشراء خلال العام المقبل، و17% عند أفقٍ أبعد».
ويشير جيا إلى أن «نقص المعرفة بكيفية البدء يبرز كعائق رئيسي؛ 11% لا يعرفون الخطوة الأولى، كما تُعد الأسعار المرتفعة وتصوّر صعوبة الشراء والإدارة من أبرز الموانع».
أربع رافعات لتوسيع التبنّي
يلخّص الباحثان خريطة فرص عملية:
-
التثقيف: رفع الإلمام بمنتجات الذهب وخياراته منخفضة التكلفة وربط مزاياه (عوائد طويلة الأجل/استقرار القيمة) بأهداف المستثمرين.
-
تبسيط الوصول: جعل الشراء والإدارة سلسَين ومنخفضَي الرسوم عبر القنوات الرقمية؛ «65% يديرون استثماراتهم عبر الإنترنت أو التطبيقات»، بحسب سليم.
-
رسالة الاستقرار: تثبيت فكرة أن الذهب «يشارك الازدهار في الأوقات الجيدة، ويؤمّن التنويع في الأوقات السيئة»، حيث تميل علاقته بالأسهم إلى أن تكون أكثر سلبية عند هبوط السوق.
-
القنوات المؤثرة: الاعتماد على الصحف/المجلات ووسائل التواصل والمنصّات الاستثمارية لرسائل واضحة ومباشرة حول دور الذهب.
أرقام سريعة عن اقتصاد اليابان
-
+0.5% نمو ربع سنوي للناتج المحلي الإجمالي في الربع/2–2025.
-
3.4% تضخّم أساسي في يوليو 2025.
-
+0.25 نقطة مئوية رفع للفائدة مطلع 2025.
-
+40% (2024) و**+23% (منذ بداية 2025 حتى 29 أغسطس)** أداء الذهب بالين.
-
2,195 تريليون ين أصول مالية للأسر (الربع/1–2025).
-
ملكية الذهب: 23% (المسح الرئيس) و28% (المسح المشترك).
ماذا بعد؟
ترى سليم أن «البيئة الكلية والجيوسياسية تُبقي الذهب ذا صلة متزايدة — وقد بدأت التدفقات إلى صناديق الذهب اليابانية تعكس ذلك».
ويختم جيا: «القصة ليست في توقّع السعر غدًا؛ بل في إغلاق فجوة التنويع داخل المحافظ اليابانية. هناك حيّز نموّ واضح، شريطة معالجة فجوتَي المعرفة وإتاحة الوصول».