يشهد سوق الذهب العالمي موجة صعود قوية مدعومة بزيادة واضحة في الطلب الاستثماري، إلا أن هذا الزخم الصعودي قد يواجه تباطؤًا مؤقتًا نتيجة تراجع أحد أعمدة الطلب الرئيسية وهو قطاع المجوهرات.
قال برنارد دحداح، محلل المعادن الثمينة في بنك ناتيكسيس (Natixis)، إن الأسواق تعيش الآن أحد أهم الدروس الكلاسيكية في عالم السلع، والمتمثل في المقولة الشهيرة:”ارتفاع الأسعار يُعالج ارتفاع الأسعار”، أي أن ارتفاع الأسعار الشديد يؤدي في النهاية إلى إضعاف الطلب ودفع السوق نحو توازن جديد.
وأوضح دحداح في تقرير له، أن الأسعار الحالية التي تتجاوز 3200 دولار للأوقية بدأت بالفعل في التأثير على الطلب الاستهلاكي، خصوصًا في الأسواق الآسيوية الحيوية مثل الصين والهند، اللتين تمثلان الشريحة الأكبر من الطلب العالمي على المجوهرات الذهبية.
وأضاف:”بدأنا نرصد مؤشرات واضحة على تراجع الطلب في قطاع المجوهرات، الذي يُعدّ المصدر الأكبر للطلب على الذهب ويستحوذ على نحو 45% من إجمالي الطلب العالمي”.
ضعف في الطلب الآسيوي والعربي
أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي تراجعًا حادًا في الطلب الصيني على المجوهرات خلال الأشهر الاثني عشر الماضية بمقدار 17 طنًا، وهو أدنى مستوى منذ أغسطس 2010.
كما أشار دحداح إلى وجود أدلة مماثلة في الشرق الأوسط، حيث أفادت تقارير إعلامية بأن أحد أكبر المستوردين الإقليميين للمجوهرات الذهبية شهد انخفاضًا بنسبة 30% في حجم المبيعات خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، الأمر الذي دفعه إلى طرح منتجات بأسعار أقل وعيارات منخفضة لتلبية احتياجات السوق.
ورغم هذا التراجع النسبي، أكّد دحداح أن الطلب الاستثماري القوي يعوّض هذا الضعف، قائلاً:”لسنا قلقين كثيرًا من تراجع الطلب على المجوهرات، فالطلب الاستثماري وحده كفيل بدعم السوق. ومع الوقت، قد يتكيف المستهلكون مع مستويات الأسعار المرتفعة الحالية.”
تدفقات قياسية في صناديق الذهب المدعومة
توقّع دحداح أن تُسجل صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs) بنهاية سبتمبر أكبر زيادة فصلية في الحيازات منذ مطلع 2022، مشيرًا إلى أن الزخم الاستثماري يتسارع بوتيرة قوية.
وفي الأسبوع الماضي، حقق صندوق SPDR Gold Shares (رمزه: GLD) – وهو أكبر صندوق ذهب متداول في العالم – أكبر تدفق يومي على الإطلاق بأكثر من 18 طنًا من الذهب.
ورغم هذا النمو، تبقى إجمالي الحيازات العالمية من الذهب في هذه الصناديق أقل بكثير من مستوياتها القياسية المسجلة عام 2020، مما يعني وجود مساحة إضافية للنمو خلال الفترة المقبلة.
البنوك المركزية تدعم الاتجاه الصعودي
إلى جانب المستثمرين، يرى دحداح أن مشتريات البنوك المركزية ستظل أحد المحركات الرئيسية للسوق الصاعد طويل الأجل، مشيرًا إلى أن البنوك تسعى لتعزيز احتياطاتها من الذهب في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية وتراجع الثقة في العملات الورقية.
وفي تحليله السابق في أبريل، توقع دحداح أن يصل الذهب إلى مستوى 4000 دولار للأوقية بنهاية العام، مدفوعًا بمزيج من حالة عدم اليقين الاقتصادي وتراجع جاذبية الدولار الأمريكي وسندات الخزانة كملاذات آمنة تقليدية.
وقال حينها:”مع الاضطرابات التي يشهدها النظام العالمي، وتقلص دور الدولار الأمريكي، فإن أي تدفقات خارجة من صناديق أسواق المال ستصب في صالح الذهب، الذي سيُعامل كأداة تحوط رئيسية ضد التضخم والمخاطر المالية.”
رغم التحديات المؤقتة التي تواجه الطلب الاستهلاكي، فإن السوق لا يزال مدفوعًا بعوامل قوية، أبرزها، تزايد الطلب الاستثماري، ومشتريات البنوك المركزية، وضعف الدولار الأمريكي، والمخاوف الجيوسياسية.
وبناءً على ذلك، يتوقع خبراء «ناتيكسيس» أن يواصل الذهب مساره الصاعد نحو مستويات قياسية جديدة خلال الربع الأخير من العام، مع احتمالية بلوغ 4000 دولار للأونصة في حال استمرار هذه العوامل الداعمة.