كتب: وليد فاروق
تشهد أسواق الذهب العالمية تحولات واضحة في موازين الطلب العالمية، حيث تتزايد مشتريات البنوك المركزية والمؤسسات الاستثمارية بوتيرة غير مسبوقة، في مقابل تراجع ملحوظ في الطلب الاستهلاكي من الأفراد، لا سيما في الأسواق الكبرى مثل الصين والهند ودول الشرق الأوسط.
هذا التحول يثير تساؤلات جدّية حول مستقبل الذهب كأداة ادخارية شعبية، واحتمال أن يتحوّل تدريجيًا إلى أصل استراتيجي مؤسسي لا يستطيع المستهلك العادي مجاراته.
تُظهر بيانات مجلس الذهب العالمي أن البنوك المركزية اشترت خلال عام 2024 أكثر من 1080 طنًا من الذهب، في واحد من أعلى مستويات الطلب الرسمي عبر التاريخ، مدفوعة برغبتها في التحوّط من التضخم وتراجع الدولار وتنويع الاحتياطيات بعيدًا عن العملات الورقية.
وفي المقابل، سجّل قطاع المجوهرات الذهبية انخفاضًا حادًا، حيث تراجع الطلب في الصين بنحو 17 طنًا خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، ليصل إلى أدنى مستوى منذ عام 2010، بينما أشارت تقارير إلى أن الطلب الهندي على المجوهرات بلغ أدنى مستوياته في خمس سنوات بسبب الأسعار القياسية.
مع اقتراب الأسعار العالمية للذهب من مستوى 3800 دولار للأوقية، وارتفاع الأسعار المحلية في معظم الدول، بدأ الأفراد يفقدون القدرة على اقتناء الذهب بنفس المعدلات السابقة.
في العديد من الأسواق، اتجه المستهلكون إلى شراء عيارات أقل أو كميات أصغر، في حين أحجم آخرون عن الشراء كليًا، خاصة مع تراجع الدخول الحقيقية وتزايد تكاليف المعيشة.
ويرى محللون أن استمرار الطلب الرسمي والمؤسسي بهذا الزخم سيُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة، مما يجعل الذهب سلعة نخبوية يصعب على شرائح واسعة من المستهلكين الوصول إليها.
يُفاقم من هذا الاتجاه تباطؤ نمو إنتاج المناجم العالمية، الذي استقر عند مستويات محدودة خلال الأعوام الأخيرة، ما يُنذر بحدوث اختلال بين العرض والطلب.
وفي حال استمرار الأسعار قد تتراجع حصة الأفراد تدريجيًا من سوق الذهب لصالح البنوك والمؤسسات، لتُعاد صياغة خريطة الملكية العالمية للمعدن النفيس.
يتجه الذهب ليصبح أصلًا استراتيجيًا في محافظ الدول والمؤسسات المالية، بعد أن كان لعقود طويلة أداة ادخار شعبية في أيدي الأفراد.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار وتضاؤل الإنتاج، قد يأتي وقت يصبح فيه امتلاك جرام من الذهب عبئًا ماليًا على المستهلك العادي، بينما تستمر المؤسسات الكبرى في تعزيز حيازاتها باعتباره الملاذ الآمن الأخير في عالم مضطرب ماليًا وسياسيًا.