شهدت الساعات الماضية حالة من الجدل حول حقيقة لجوء روسيا إلى بيع جزء من احتياطياتها الذهبية لتمويل عجز الميزانية المرتبط بتكاليف الحرب، وجاء اللغط بعد نشر تقارير متعددة، بينها تقارير إعلامية أوكرانية وأخرى روسية، تناولت بشكل متباين طبيعة تحركات موسكو في سوق الذهب المحلي خلال الأسابيع الأخيرة.
وبحسب قراءة دقيقة للمصادر، يتضح أن روسيا لم تبدأ بيع الاحتياطي الأساسي للبنك المركزي من الذهب، لكنها شرعت بالفعل في تسييل جزء من الذهب المملوك لصندوق الثروة الوطني (NWF)، وهو أحد الأدوات المالية التي تعتمد عليها الحكومة لسد فجوات التمويل ودعم الميزانية العامة.
ويُعد هذا الذهب جزءًا من الأصول السيادية للدولة، لكنه لا يقع ضمن المخزون المركزي الذي يحتفظ به البنك المركزي الروسي كاحتياطي استراتيجي طويل الأجل.
وتشير بيانات رسمية روسية إلى أن وزارة المالية تجري منذ فترة عمليات تعتمد على ما يُعرف بـ”عمليات المرآة” بين البنك المركزي وصندوق الثروة الوطني، والتي تشمل شراء وبيع الذهب غير المادي داخل منظومة السوق المحلي.
إلا أن تصريحات نائب وزير المالية الروسي، فلاديمير كوليكوف، أوضحت أن توسع البنك المركزي في هذه العمليات أصبح يشمل تداولات فعلية في الذهب، مدفوعًا بارتفاع السيولة وزيادة الإقبال الشعبي على اقتناء المعدن النفيس كأداة للادخار.
هذا التطور دفع بعض المحللين إلى القول إن البنك المركزي الروسي بدأ بيع الذهب لتطبيق “القاعدة الميزانية”، وهو ما نفته الوزارة، مؤكدة أن العمليات التي تنفذ في السوق لا تعني المساس بالاحتياطي الأساسي.
غير أن تقارير أخرى، من بينها ما نشرته وسائل إعلام أوكرانية، أكدت أن صندوق الثروة الوطني خفّض بالفعل حجم حيازاته من الذهب خلال العامين الماضيين لتلبية احتياجات الإنفاق، وهو ما يتسق مع تراجع الأصول السائلة للصندوق خلال الفترة نفسها.
وتُظهر البيانات المالية أن صندوق الثروة الوطني — الذي يمتلك مزيجًا من اليوان والذهب — بدأ منذ 2023 في الاعتماد بشكل متزايد على أصوله المخصصة لمواجهة الصدمات، وذلك في ظل تنامي احتياجات الإنفاق العسكري وانخفاض فوائض الطاقة. وقد صاحب ذلك توسع في عمليات بيع العملة الأجنبية داخل السوق، وهو ما زاد من حدة الجدل حول ما إذا كان الذهب أيضًا يشهد عمليات بيع واسعة.
وفي ظل هذه المؤشرات المتباينة، يتضح أن روسيا لم تلجأ حتى الآن إلى بيع احتياطياتها الذهبية الأساسية، لكنها تستخدم جزءًا من ذهب صندوق الثروة الوطني كأداة تمويلية ضرورية في ظرف اقتصادي ضاغط، وهو ما يفسر التراجع الملحوظ في الأصول السائلة للصندوق مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، ومع استمرار الضبابية حول بيانات التداول الدقيقة في السوق المحلي، يبقى من المتوقع أن تستمر حالة الجدل طالما واصلت موسكو استخدام الذهب كركيزة لدعم موازنتها في مواجهة العقوبات وتكاليف الحرب.


















































































