رصعت غالبية المجوهرات المنتجة قبيل القرن 15 ، بقطع الألماس الخام، وحينما اكتشف المختصون أن الماس يعد المادة الوحيدة التي يمكن استخدامها لتلميع الماس الآخر، فإن المحاولات المبكرة لتلميع الماس كانت بدائية، وغالبًا ما كانت تعتمد على أدوات بسيطة، كانت تدريبات القوس اليدوية والأحزمة الجلدية المغموسة في مسحوق الماس هي الأدوات الوحيدة المتاحة، والجهد الذي يستغرق وقتًا طويلاً في تلميع الماس، وليس من المستغرب أن تكون أقدم الأمثلة على المجوهرات الماسية تحتوي في الغالب على الماس الخام، ربما تعرضت لتلميع بسيطعبر الطرق البدائية لتخفيف عيوب السطح.
تغير كل هذا مع اختراع عجلة القطع والتلميع ” سكيف” scaif ، في أواخر القرن الخامس عشر، وبالتحديد خلال عام 1470م، حينما اختراع صائغ بلجيكي يهودي يدعى “لودفيك فان بيركن “عجلة التلميع سكيف”، وهو ابتكار تكنولوجي أحدث ثورة في هذه الصناعة.
وتعد “سكيف” آلة معدنية تشبه عجلة “سن السكاكين”، وتدار بواسطة دواسة للقدم عبر توظيف مسحوق أو تراب الماس مع زيت الزيتون على أحجار صلبة تدار بسرعة لتعمل كقاطعات لأحجار الألماس، كما تستخدم في تشذيب وتلميع أسطحها، و لا يزال العصر الحديث يستخدم نفس المفهوم الذي ابتكره فان بيركن منذ أكثر من 500 عام.
وُلِد فان بيركين في مدينة بروج ببلجيكا، على بعد حوالي 80 كيلومترًا غرب أنتويرب، ودرس قطع الماس في باريس، وبحلول منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت بروج مركزًا تجاريًا مبكرًا مهمًا للماس.
مع انتشار خبر اختراعه في جميع أنحاء أوروبا، حظى ” فان بيركن” بطلبات كثيرة من النبلاء الأوروبيين لتصنيع الماس لهم، وسرعان ما اكتشف أن أنتويرب المجاورة كانت موقعًا أكثر ملاءمة لمشروعه، حيث سهّل ميناء أنتويرب المائي الداخلي استقبال زواره وبضائعه، في ذلك الوقت، كان ميناء أنتويربيستحوذ على 40 % من التجارة العالمية، مما جعله مركز النقل في أوروبا، أدى انتقال ” بيركن” ونجاحه فى تأسيس تجارة قطع وتلميع الألماس، سببًا رئيسيًا لتطور أنتويرب إلى مركز تجارة الماس في العالم، ولا يزال يحتفل به في المدينة حتى اليوم.
كما أدى نمو سمعته وذيع صيته، إلى إمكانية الوصول إلى كميات أكبر من الماس الخام، بهدف تجربة وتطوير أنواع جديدة مقطوعة، ومن ثم فقد كان أول من طور مفهوم التناظر المطلق في وضع أوجه إنكسار الضوء على أحجار الألماس، لقد كان دقيقًا في عمله، على الرغم من أنه ربما فشل في فهم ديناميكية انكسار الضوء من داخل الحجر تمامًا.
ويعد بيركن أول من قطع الألماس ذو الشكل الكمثري، وكان له فضل كبير في شيوع استخدام الألماس في قطع المجوهرات، كما يعد مسؤولاً عن ترسيخ التقاليد اليهودية في صناعة الماس، المستمرة حتى يومنا هذا.
كان فان بيركن يهوديًا، وفي ذلك الوقت، مُنع اليهود من القيام بوظائف معينة وشغل مناصب معينة في المجتمع، ولم يكن لقطع الماس مثل هذه العوائق، وبدأ في تدريب وتعليم طلاب يهود آخرين قطع الماس، وأسس فيما نقابة العمال المهرة لقواطع الماس في أنتويرب.
وكانت المهمة الأكثر شهرة لفان بيركن هي قطع ثلاثة أحجار كبيرة بتكليف من تشارلز ذا بولد، دوق بورجوندي في 1475م، وأشهر هذه الأحجار هي فلورنتين دياموند، وهي عبارة عن ولادة مزدودجة ذات تسعة جوانب، و 126 وجهًا ،ويبلغ وزنهما 137.27 قيراطًا.
في حين يزن الحجر الثاني 14 قيراطًا، وقد أعطاه البابا سيكستوس الرابع للدوق، رصع فان بيركين الحجر في خاتم ذهبي ليستخدمه البابا خلال المناسبات المقدسة، وكان الحجر الثالث مشوهًا على ما يبدو ، لكن فان بيركين قطعه بذكاء إلى شكل مثلث، ووضعه في وسط يديه المشابكتين في حلقة صداقة للدوق، ويعتقد أيضا أن فان بيركين قد قطع أحجار مهمة أخرى، بما في ذلك ” سنسي وبيوي سنسي ” .
لا يزال تمثال فان بيركين قائمًا في منطقة ميناء أنتويرب ، يصوره في ملابس العمل ممسكًا بماسة، تم العثور على تمثال آخر له عند مدخل منطقة التسوق “مئير” في أنتويرب ، على بعد مسافة قصيرة من حي الماس بالمدينة، قليلون من رجال الطبقة العاملة في التاريخ الذين حصلوا على مثل هذا التكريم، حتى أن أحدى العلامات التجارية لبيع المجوهرات الماسية بالتجزئة في أستراليا تحمل اسمه.