لفترات طويلة كانت صناعة وتجارة الذهب حرفة اليهود القرائيين الأسياسية، يتوارثونها، ويحرصون على كتمان أسرارها خارج طائفتهم، وكان المجتمع القرائي يرى الحرفة الضمان لمستقبل أبنائه الذين لم يجدوا طريقهم بعد لإحدى كليات القمة، لذلك دفعت كل الأسر القرائية الفقيرة والغنية بأبنائها لتعلم المهنة فى الصغر، فكان أبناء الأثرياء يتوجهون للصاغة كي يتعلموا أصول الصنعة والتجارة، بينما أبناء الفقراء يعملون فى الورش، لكن منذ بداية القرن التاسع عشر برزت عائلة مسعودة كأحد أهم العائلات اليهودية القرائية التي سيطرت على هذه الصناعة وتجارتها حتى منتصف القرن العشرين.
وذكر “كلوت بك” فى كتابه أنه من بين حوالى سبعة آلاف يهودى يعيشون فى مصر خلال فترة حكم محمد علي، يوجد حوالى 1200 قرائي، أقام أغلبهم فى مدينة القاهرة، ويعتبر القرائيون من الطبقات اليهودية الفقيرة والمتوسطة حال مقارنتها بالعائلات الثرية من اليهود الربانين المصريين مثل “عاداه” و”موصيري” و”شيكوريل” و”سوارس” و”منشة” السكندريون، لكن قرائي مصر احتفظوا بالصدارة فى الثقافة والفنون، منذ زمن الفتح الإسلامى لمصر، إذ عاش يهود مصر ازدهارًا اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا خلال عصر الدولة الفاطمية والأيوبية وعصر سلاطين المماليك.
وكان معظم اليهود القرائين يقنطون الفسطاط فى “حي المصاصة”، والذي كان يقع بالجهة الشرقية من قصر الشمع، و اشتغل خلق كثير منهم في صناعة وتجارة والذهب، وتعرضوا للطرد وسكنوا في حارة “زويلة” ومنذ ذلك الوقت صارت معقلًا لهم حتى عرفت بحارة اليهود وأقام القرائين بها أسواقهم للذهب والصرافات التي عرفت بحي الصاغة والصيارفة.
ولم يكن تمركز اليهود القرائيين في حارة اليهود بفعل “الجيتو”، إذ نشأت الحارة على أساس طبقي، وليس ديني.
ويعود تاريخ عائلة مسعودة لمطلع القرن التاسع عشر والتي سرعان ما أثرت وحققت نجاحًا عبر تجارة الذهب والمضاربات البنكية والإقراض والرهونات، واكتسبت المزيد من الاستقرار عبر مصاهراتها وزيجاتها التي وطدت علاقتها بباقي العائلات القرائية الكبيرة مثل “ليشع” و”كوهين و”مصلياح” و”درويش” و”شماس” و”مراد” و”مرزوق”وآخرون.
ويعد “يوسف بن هاروفى البصيري”، مؤسس عائلة مسعودة، من يهود العراق القرائين، ولد عام 1810م بالبصرة، وجاء إلى مصر خلال فترة حكم محمد على باشا، واستقر بها وتزوج بـ”مسعودة” من عائلة “إليشع”، فعرفت عائلته بهذا اللقب، وتأسست واحدة من أقوى العائلات القرئية فى تاريخ مصر.
أنجب “يوسف البصيري “خمسة من الأبناء، مثلوا قوام الأسرة التي حكمت الطائفة القرائية لنحو 150 عامًا، وتوفى ” البصيرى” في ريعان شبابه، مشنوقاً على يد رجال المحتسب عام 1850م، وعلق جثمانه على مدخل حارة اليهود فى نهاية ثلاثينات القرن التاسع عشر.
وتولى يوسف بن البصيرى شياخة حارة اليهود القرائين، كما اتجه للعمل فى تصنيع وتجارة الذهب بسوق الصاغة، وهى المهنة التى توارثها أبنائه من بعده، ومن بينهم “إلياهو مسعودة، وباروخ مسعودة”.
ويعد الخواجة “إلياهو مسعودة” الأبن البكر ليوسف البصيري”، ومن ثم ورث عن والده المهنة، كما أصبح عميدًا للعائلة من بعده، وتزوج إلياهو مرتين الأولى كانت قبل عام 1850 م من السيدة “حسنى قمر”، وأنجبت له 17 ولدًا بين ذكور وإناث، وكان من بينهم الصائغ الشهير “فرج مسعودة”، والذي ورث المهنة عن والده.
ولد “فرج مسعودة” عام 1850م، ، وورث عن والده حرفة الصاغة وتجارة الذهب والمجوهرات وكان محله كائن في 61 شارع السكة الجديدة، وتزوج من السيدة “نيللي كوهين”عام 1870، وأنجب منها 12 من الأبناء، من بينهم الجواهرجي ليتو فرج مسعودة، ويعد الوحيد من الأبناء الذي عمل بمهنة صناعة وتجارة الذهب.
كما اتجه أيضًا الخواجة “باروخ مسعودة” للعمل بصناعة وتجارة الذهب والمجوهرات، واستطاع تكوين ثروة حقيقية ساعدته في السيطرة على مجتمع يهود مصر القرائين وزعامتهم، هذه الزعامة انتقلت منه إلى ولده “ليتو باروخ” الذي اشتغل في الصرافة والتجارة البنكية والإقراض، كما أسس شركة أوديون للإسطوانات والتسجيلات الصوتية، والتى احتكرت صوت “أم كلثوم” قبل انتشار الإذاعة المصرية.
انسحبت عائلة مسعودة من قيادة الطائفة القرائية، بعد أحداث حرب 48 وقيام ثورة يوليو 52، وتعرضت للانهيار مع أحداث فضيحة لافون 56، ثم حرب 67 ، وتشتت أبنائها في العديد من البلدان مثل فرنسا وأمريكا- ودول أوروبية وحتى في إستراليا؛ واستطاعت الوكالة الاسرائيلية للهجرة أن تحتفظ لنفسها بالنصيب الأكبر- ليظل أكبر تجمع للقرائين فى إسرائيل.