نشأت زينب خليفة بحي العتبة، وانتقلت مع العائلة لحي المعادي، ودرست الفسلفة بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وكان لنشأتها بحي العتبة مع والدها التاجر، تأثيرًا على إثراء رؤيتها البصرية للأزيا والحلي، إذ يشهد هذه الحي التجاري، حركة كبيرة للمقبلين على الشراء من النساء القادمات من مختلف المحافظات والأقاليم، فرأت عينها من الصغر، حلى تعكس ثقافة وبيئة المرأة في تنوع واختلاف أنماطها وطرزها، بين الريفية والحضرية والنوبية والشعبية.
كيف اتجهتي لمجال تصميم الحلي والمجوهرات من النحت المعاصر؟
كنت أصمم مفردات من الحلي ترتدي الشخوص التي انفذها بالنحت المعاصر، “بوست مودرن”، وأنفذها في ورش الصاغة ومن هنا كانت البداية.
س: ماذا عن أول ورشة تعلمتي فيها؟
خليفة: علاقتي بالورشة ممتدة طول عمري، والورشة جزء من شخصيتي ، أول ورشة تعلمت فيها كانت مختصة بتنصيع السلاسل الفضية والذهبية، وتعملت بها اللحام.
كل شخص داخل الورشة تعملت منه، أضفت له وأضاف لي، وتأثرت بهم مهنيا وحرفيا .
هل أثرت دراستك للفلسفة على تصميم الحُلي؟
أثرت دراستي الفلسفة في حياتي تأثيرًا كبيرًا، إذ تعتمد على نقد أي فكر متدوال، أو متعارف، كالفن والدين وعلاقتهما بالمتلقي.
الفلسفة أضافت كثيرًا لشخصيتي وحياتي وعلى تفكيري.
دفعتني أيضًا للتعامل بطريقة خاصة مع العاملين، وعلى شخصيتهم وحياتهم المهنية، حاولت تطوير علاقة الناس بالمهنة من خلال الالتزام .
دراستي لأحوال الناس فلسفيًا جعلني أفكر في تصميم حلي تتناسب معهم مع ثقافتهم وقدراتهم المادية.
على سبيل المثال، الأحجبة تتحدث عن الناس عن سلوكهم اليومي، وتناوته كثيرًا في المصوغات الشعبية.
للحُلي تأثير على ثقافة المرأة المصرية منذ القدم وليس فقط فى التاريخ الحديث، لأنها موجودة من بداية الإنسان، إنها تمثل وتعكس حالة مع الطبيعة وحالة مع المزاج وتتواجد بأشكال مختلفة ومتنوعة .
لا أستطيع القول أن كل القديم كلاسيكي، فالمجوهرات القديمة بها أفكار حديثة، فجدران المعابد تضم أفكار بسيطة وملخصة تخاطب إنسان اليوم .
هل قطعة الحُلي انعكاس لبيئة الانسان ؟
بالتأكيد، البيئة تنعكس على جمال قطعة الحلي، لكن يجب ان نهتم بالظرف المادي سواء في البيئات المختلفة، المصمم دائما يفكر فى القيمة المادية خاصة في المصوغات الذهب بخلاف الفضة.
القيمة المادية تفرض نفسها في جماليات القطعة، لأن المرأة تشتريها بغرض الادخار، لذا تجد انها كانت تخلو من الاحجار المضافة او من النقوش التي تقلل من الوزن، فهذه الاعتبارات فرضت نفسها على الجماليات عن تصمم قطعة الحلي، بخلاف الفضة التي كانت تضاف إليها الخشونة في قطعة الحلي، لأنها كانت خامة رخيصة نصف لينة، واستخدمها الفنانون في تسجيل أحداث الحياة، أو خلق صوت مثل الخلاخيل ، فالاحتياج المادي فرض جماليات مختلفة.
ما هي مشاكل سوق الذهب الآن ؟
بعض الصناع في مصر غير مهتمين بالسوق الذي تربوا وتعلموا فيه، والصاغة الآن في أسوء فتراتها، والورش والمحلات تهرب لمناطق أخرى، الانتشار جيد لكن لا نريد أن تكون سياسة ممنهجة، لافتقار السوق للخبرات.
ولا أقول للناس عيشوا في الماضي، ولكن يجب أن نتطور دون تفريغ الصاغة وخان الخليلي.
الصاغة سوق له أدبيات وسلوكياته التي لن يتربي عليها إلا من عاش وتعلم داخلها، لأنها مدرسة صياغ مصر، بل هى جزء من تاريخ هذا البلد .
على الدولة إلغاء ضريبة القيمة المضافة، والتأمينات على صغار المصنعين والورش التى رأس مالها أقل من 500 الف جنيه، لأنها تمثل ضغطًا ماديًا عليهم بجانب ضغوط آليات السوق.
عمليات التسويق أصبحت مكلفة، وتكاليفها تفوق أسعار التصنيع.
وعلى الدولة تشجيع الورش الصغير للتوسع وزيادة الإنتاج، وإنتقالها إلى الفئات التى يمكنها تحمل الضرائب، ووضعها ضمن أولوياتها القطاعات الأكثر دعمًا واحتياجا للنمو، بغرض دعم الاقتصاد.
والسوق والورش قوة لا يستهان للاقتصاد الوطنى فى تعزيز الإنتاج وزيادة الصادرات.
الضرائب والتأمينات تمثل إرهاقًا للورش وتجحيمًا لها على التوسع، ما يدفعهم للتهرب للحفاظ على نسبة من الارباح تمكنهم من الاستمرار والعيش بحياة كريمة.
” الورش والعامل ضمن أهم أولوياتي منذ بدأت تصنيع الحلي والمجوهرات، الورش هي التي تعلم المهنة للشباب الصغير وتغذي المصانع وتحافظ على طبيعة المهنة وحرفية المنتجات، وتمنح المنتج خصوصية.
في الفترات الأخيرة أصبح من الواضح الافتقار إلى المهارة والاعتماد على تقليد شغل الغير، أو بمعنى “ضرب الشغل”، بغرض الاستستهال.
متي تري مدرسة زينب خليفة لتعليم الحُلي والمجوهرات ؟
هي فكرتي الأساسية، والتي من خلالها أُدافع عن المهنة، وأستطيع بها إخراج جيلًا من الشباب الحرفيين والصواغ المهارة، يمثلوا إضافة للمهنة وسوق الذهب.
مدرسة تقوم تجذب الشباب الموهوب، وتعلم الطلاب والمتسربين من التعليم، ومن لديه رغبة في تعليم المهنة.
هناك حالة من الأنانية لدى بعض المصنعين، لعدم تعليم الأجيال الجديدة خوفا من منافستهم في السوق.
لا أحد من كبار المصنعين يحاول وضع استراتيجية للدولة، يمكن من خلالها تعليم جيل جديد ويطور المهنة، بخلاف مدرسةايجيبت جولد التى تأسست مع نهاية 2019.
بدأت خطوات إنشاء الدرسة عبر تسجيلها أولا بوزارة التضامن الاجتماعي، ولكن احتاج إلى الدعم المادي، ومكان داخل الصاغة على نهج الورش الصغيرة.
أحاول أن تكون داخل الصاغة، لما فيها من عامل جذب وقيمة للمهنة وتاريخها.
كما قدمت المشروع إلى هيئة تحديث الصناعة بوزارة الصناعة والتجارة الداخلية، لكن لم يرد أحد حتى الان، كما قمت بتقديمها إلى مؤسسة ساويرس ولكن لم يهتم أحد.
ما رأيك في اعتماد السوق على العمالة الأجنبية؟
بالفعل هناك شركات ومصانع تعتمد على وجود عمالة أجنبية مهارة داخل المهنة، أنا لست ضد وجود خبرات أجنبية وهم وسيلة لتبادل الخبرات والثقافات من مصممين من دول مختلفة كالهنود وكراوتيا وتايلاند وأوروبا.
يجب أن يكون السوق مفتوح لكافة الخبرات، ولكل الجنسيات، وأن يضم كل الطرق والتكنولوجية المخلتفة في الصناعة، فلا يوجد صائغ ماهر يصنع قطعة مثل الأخرى، وبالتالي يكتسب السوق خبرات مختلفة .
تنويع الخبرات يُثري المهنة ويُثري الصواغ، ويخلق حالة من التنافسية.
ما هي أهم المعارض التي شاركت بها ؟
شاركت في كثير من المعارض داخل وخارج مصر، لكن أعتز ببينال مهرجان الُحلي الذي قدمته لوزارة الثقافة، حيث كنت قوميسري للمهرجان في 2016، ونظمت معرض للحُلي في نيويورك، في جامعة ريدجيس.
هل هناك أفكار معينة حملتها تلك المعارض؟
اغلبها تعتمد على تطوير التراث، وتشمل معروضات تحمل روح التراث بلغة عصرية تتواكب مع الحداثة والموضة الجديدة، حاولت تقديم أفكار متطورة غير حبيسة التراث، فالتراث ممكن يبتلع الأخر، وفي نفس الوقت لسنا مسخ أو بلا تراث، فلا ننبطح للغرب ونقلده.
لدينا تراث كبير، وقوي في الفن وله جذور كبيرة، وقديمة، يمكن الاستفادة منها وتطويرها بشكل مختلف.
ما هي الأفلام التي نفذتي خطوط المجوهرات بها؟
يجب دراسة الشخصية، حتى نستيطع أن نعبر عن الزمن والبيئة، والمرحلة الزمنية والتاريخية مهمة جدًا في الحلي، ويجب أن تتوافق الأزياء مع الاوضاع الاجتماعية للشخصية وقدراتها المادية.
يجب دراسة الشخصية والبيئة التي تعيش فيها سواء كانت ذات أصول ريفية أو ارستقراطية أو من المدينة.
صمتت مجوهرات وحلي فيلم “سرقات صيفية” مع يسرى نصر الله، الشخصية.، درست الشخصية الاستقراطية التي قامت عليها الثورة، وجلعتها ترتدي الخامة النبيلة وليست اللينة، بجانب الروز ديمواند” الألماس لفلمنكي ” والعيارات المنخفضة من عيار 18 المرصع بالألماس، لأنها من أصول بروجوازية.
كما شاركت في فيلم “الأصيليين” وكان هناك تركز على الملك، وحاولت دراسة المجوهرات الفرعونية قبل تصميمها من خلال زيارات عديدة للمتحف المصري، حتي اصمم وانفذ حلي مختلفة تتناسب مع شخصية الملك الفرعوني.
وحاولت محاكاة اللون الذهبي للمجوهرات عيار 24 في الفترة الفرعونية، ودرست القطع المختلفة من التيجان و القلادات والشباشب الملكية، والاساور.
نفذت ما يقرب من 50 قطعة من خامات نحاس أحمر حتى يمكن طلائه مباشرة بللون الذهب عيار 24.
في حين صممت بروش أم كلثوم لفيلم “خيال مآتة” وهي القطعة التي اهداها شاه ايران لكوكب الشرق أم كلثوم، وهي مصاغة بحرفية كبيرة من خلال الترصيع الجيد للألماس والزمرد .
هذه القطعة شهدت حالة من اللغط فالبعض يشير إلى أنها سرقت والبعض يقول تم بيعها في مزاد علني في كريستيز من قبل العائلة.
وشاركت في العديد من الأفلام كخبيرة بأراء للاستليست ومصممي الاكسسوار.
هل تقومي بتنفيذ أعمالك بنفسك أم تعتمدي على الصنيعية؟.
أجيد معظم طرق التصنيع ما عدا الشفتيشي، لأنها حرفة دقيقة جدًا وتحتاج لمجهود ذهني، ولدي في ورشتي صنايعية ينفذون الأعمال من خلال توجهاتي.
لا يهم أن يمتلك المصمم قدرة على تنفيذ القطعة من أولها لأخرها، فبعض الطرق تحتاج لخبرات وصناعية يمتلكون مهارات قد لا تتوافر للمصمم وبالتالي سيعرض نفسه لمشاكل، ومن ثم يجب أن يستعين بالأخرين من ذي الخبرة.
لكن من المهم أن يكون المصمم على دراية ومعرفة بكل طريقة واساسيات التصنيع ، حيت يستطيع وضع فكرة قابلة للتنفيذ.
هل لدي مصممي الحُلي مشاكل في الملكية الفكرة ؟
بشكل مباشر لم لتعرض لسرقات لبعض الأفكار التي نفذتها، لكني رأيت من يقلد أنوع خاصة من الغوايش الرفيعة المؤخذ من التراث البدوي التي أنفذها لمعرضي وكنت أشاهد بعض الورش بالصاغة تقلدها وتطرحها للمحلات.
ويجب تفعيل قانون لحماية الملكية الفكرية للحفاظ على حق المصممين والشركات التي لديها فريق من المصممين.
هل ارتفعت أسعار الخامات وما تأثيرها على تكلفة المنتجات ؟
ارتفعت الأسعار بشكل كبير بعد قرار الدولة تعويم الجنيه وتحرير أسعار المحروقاتفي 2016.
وجزء كبير من الأداوت والخامات المستخدمة في صناعة الحلي تستورد من الخارج.
ما هي النصيحة التي تقدمها للشباب والمصممين الجدد؟
انصح الشباب الجدية ووالبعد عن فكرة ” النجومية ” فهذا الجيل لديه مشكلة كبيرة فالبعض دخل لمهنة من أجل أن يشار إليه، والبعض يدخل المهنة من باب الواجهة الاجتماعية وليس من باب حب المهنة وأكل العيش .
يجب أن يتعلم الشباب كيف يرتبط بالمهنة لانها ” اكل عيش”، مع الالتزام بالجدية.
ظهور زينب خليفة كان بصورة تلقائية، وكانت المهنة وقتها مقصورة على الرجال، وكان عدد النساء التي تعمل بهذا المهنة قليل، وكانت جديتهم وتميزهم وهو ما تسبب في معرفتهم داخل المجتمع ولم يسعى أحد منهم للشهرة ، ودفعنا كثير من تعبنا وجهدنا”.