قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مساء الأربعاء الماضي، برفع أسعار الفائدة 25 نقطة أساس إلى نطاق 5%- 5.25%، ويعد هذا الارتفاع العاشر في أسعار الفائدة، وسط مواجهة اتجاهين اقتصاديين متنافسين يمكن أن يجعل قراراتهما المستقبلية بشأن أسعار الفائدة أكثر صعوبة.
وقال طاهر المرسي الخبير الاقتصادي إنه، بشكل عام تأثرت أسعار الذهب إيجابيا بتراجع وتيرة رفع الفائدة على الدولار الأمريكي خلال 2023، حيث ارتفعت أسعار الذهب منذ اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأمريكية، والتي يصدر قرار الفائدة ضمن قرارتها.
وذلك عقب الاجتماعات التي تمتد على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء كما يقتضي البروتوكول المعمول به، يوم 2 فبراير الماضي، والذي تقرر فيه أول خفض في وتيرة رفع الفائدة، لتكون ربع نقطة بدلا من نصف نقطة مئوية، حوالي 140 دولارا للأوقية، مع عدم احتساب الهبوط الذي حدث عقب صدور قرار الفائدة في ذلك الاجتماع والذي تجاوزت فيه خسائر الذهب الـ100 دولارا.
وتابع التي إذا أضفناها للمكاسب المتحققة إجمالا حتى الآن، فإن الأسعار عالميا قد ارتفعت ما يزيد عن 240 دولارا في سعر الأوقية، حيث ارتفع من أدنى سعر له خلال تلك الفترة يوم 28 فبراير، عند 1804.41 دولارا، ليغلق جلسة اليوم الخميس عند 2050 دولارا للأوقية.
وأضاف فيم حافظ الفيدرالي على خفض وتيرة الرفع في الاجتماعين التاليين، خلال مارس، ومايو، مما يوضح انتهاء ذروة الرفع، وفقدان الدولار الكثير من قوته المكتسبة من رفع الفائدة، وهو ما تعكسه قراءة مؤشر الدولار “US Dollar Index”، والذي يقيس قوة الدولار مقارنة بست عملات رئيسية، حيث تراجعت القراءة من أعلى قمة خلال نفس الفترة عند 105.85، لتستقر عند 101.39 الخميس.
ونوه أن هذا الأمر مهم بكل تأكيد لأسعار الذهب، حيث ترتفع التدفقات الداخلة لصناديق الاستثمار في الذهب على حساب التخارج والتدفقات الخارجة من أسواق الديون والدخل الثابت عموما، والتي تتراجع عوائدها قياسا بعوائد الذهب مع تراجع معدلات الفائدة.
كما أن إشارات رئيس الفيدرالي، جيروم بأول، في حديثه الأخير، عقب الاجتماع، للركود، قد أصابت الأسواق بالهلع، فالركود سيضغط على نتائج الأعمال ويؤثر بشكل كبير على ربحية الأسهم، مما يضعف شهية الاستثمار، وتتجه السيولة في هكذا وضع للأصول الأمنة، والأكثر استقرارا، وعلى رأسها الذهب بكل تأكيد.
كما كانت الإشارة لاحتمالية وقف رفع الفائدة، والبدء في خفضها خلال النصف الثاني من هذا العام 2023، من قبل رئيس الفيدرالي، إشارة واضحة للأسواق باتجاه الفيدرالي نحو عكس مسار السياسة، والبدء في المسار التيسيري، وهو ما سيضغط سلبا على قوة الدولار، مما يقوي من وضع الذهب، والأصول التقليدية بشكل عام، للتحوط من تراجع القدرة الشرائية للعملة مع ضخ جديد للسيولة، يزيد من الكتلة والمعروض النقدي، المناخ الأمثل لصناعة التضخم.
وتابع مرسي أنه ومازال حاضرا في الصورة التضخم المرتفع في الولايات المتحدة، الحقيقة التي أكد عليها بيان الفيدرالي أمس، رغم مرور 15 شهرا على المسار التشديدي ورفع الفائدة لأعلى مستوى منذ 2007.
حيث مازال التضخم أعلى المستهدف 2%، عند 5%، رغم تراجع أسعار الطاقة بشكل كبير، وهو ما يوضح عمق التضخم، وترسخه، مما يرجح صعوبة التغلب عليه بسهولة دون خسائر، خاصة مع قرب وقف رفع الفائدة، واستئناف المسار المتساهل، مما سيضيف المزيد من الضغوط التضخمية، وهو ما يعطينا تصورا أكثر ضبابية عن مستقبل التضخم.
وأشار إلى أننا يجب ألا نهمل التحديات الجيوسياسية المزامنة لقرارات الفيدرالي، والمتمثلة في الحرب الروسية الأوكرانية، التي تزداد حرارتها يوما بعد يوم، مع تصاعد محاولات الانتقام بين الجانبين، ووصولها لمحاولات اغتيال قادة البلدين، مما يرجح التوقعات باستمرارها فترة أطول مما كان يعتقد، حتى الأطراف المتصارعة نفسها.
وكذلك التوجه الواضح للتخلي عن الدولار والذي تقوده الصين كأكبر منتج ومصدر بالعالم، ومحاولات عولمة هذا الاتجاه من خلال تكتل بريكس الاقتصادي، والذي يضم دولا ذات ثقل اقتصادي وديموجرافي كبير، كالهند والبرازيل، وثاني أكبر قوة عسكرية بالعالم بالطبع، روسيا الاتحادية.
وتابع وجود هذا التوجه في هكذا ظروف اقتصادية عصيبة بالولايات المتحدة، يربك صانع القرار، وأقصد به الفيدرالي الأمريكي، حيث نجده في حيرة واضحة، وبين خيارين أحلاهما مر:
– إما خفض الفائدة وبدء التيسير الكمي، وبالتالي خفض قوة الدولار وإنعاش الاقتصاد
وهذا بالطبع سيعطي الصين وحلفائها الاقتصاديين فرصة، وسببا وجيها لرفع وتيرة التخلي عن الدولار المتراجع.
وتابع إما رفع قوة الدولار من خلال الاستمرار في رفع الفائدة والتشديد الكمي، وهو ما سيدمر الاقتصاد وإدخاله في ركود تضخمي قد لا يقوم بعدها او يرجع لما كان عليه أبدا، وأيضا تربح الصين وحلفاؤها الرهان.
وأوضح أنه معروف أن التيار الداعي للتخلي عن الدولار يعزز موقفه من خلال تعزيز احتياطياته من الذهب والذي تظهر البيانات ارتفاعها بأكبر وتيرة خلال العامين المنصرمين، وخلال الربع الأول من هذا العام.
وتابع كما يعزز موقف الذهب، الضرر البالغ الذي أصاب الاقتصادات الناشئة، والدول النامية بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، والتي وصلت لمستويات قياسية، عند 5.25%، وهو ما رفع تكلفة الاقتراض .
وأضاف مرسي أثقل فواتير الشركات الناشئة، وأضر بسوق العمل في تلك البلدان بشكل واضح، مع تدمير واضح لقوة عملاتها الشرائية، مما ألهب التضخم في الكثير من تلك البلدان.
فاتجه الكثير منها لإيجاد بدائل للتعامل بالدولار، مثل المقايضات، والمبادلات التجارية، والتعامل بالعملة المحلية، أو بالروبل واليوان، مع انضمام بنوكها المركزية لسباق تعزيز احتياطيتها من الذهب على حساب الدولار لتخفيف وطأة تراجع احتياطياتها من الدولار.
وأوضح أن كل هذه الأسباب والمبررات تدعم استمرار ارتفاع أسعار الذهب خلال العام الحالي والمقبل على الأقل، والتي يتوقع أن تتجاوز فيها الأسعار مستوى 2500 دولارا للأوقية، ما لم يطرأ عارض يغير من تلك النظرة.
أما محليا قال مرسي لا شك أننا سنشهد مزيد من الارتفاعات في أسعار الذهب، ولفترة طويلة قادمة،
وأوضح مع الأخذ في الاعتبار أن محركات الأسعار هنا تختلف بشكل شبه جوهري عن الوضع العالمي، حيث أن المحرك الأساسي لأسعار الذهب، بالإضافة للتضخم، والأزمة الاقتصادية، هو عدم استقرار سعر الصرف.
وتابع لدينا 3 أسعار للدولار على الأقل في السوق المصرية، سعر البنوك، وهو السعر الرسمي والمحدد عند 30.8380 للشراء و30.9357 للبيع، ولا يمكن الحصول على الدولار حقيقة من البنوك، إلا في نطاق ضيق جدا، لا يسع عموم المواطنين، وجمهور عريض من التجار أيضا.
وتابع سعر ثان، هو سعر السوق الموازية، والذي يتجاوز 36 جنيها، وفقا لبعض التصريحات، أما سعر ثالث، هو سعر العقود الآجلة، والتي تجاوزت 46 جنيها للدولار.
ولفت إلى أنه من الطبيعي في هكذا حال، لا يعرف للدولار سعر ثابت، خاصة الدولار الذي يمكن الحصول عليه، وليس الأسعار التي لا يمكن التنفيذ عليها بالبنوك، ومع سلعة مرتبطة بسعر الدولار المتداول، والذي يتم التنفيذ عليه، يصبح التسعير مهمة شاقة فعليا.
واضاف أنه مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع حاجة التجار للتحوط من تقلب الأسعار شبه اليومي، والذي قد يسبب لهم بعض الخسائر، فيلجؤون لوضع هامش مرتفع يضمن عدم التأثر بتقلبات سعر الصرف، فتجتمع إشكالية عدم استقرار سعر الصرف وارتفاع الدولار مقابل الجنيه، مع تحوط التجار لتضغط على الأسعار بشكل قد يراه البعض مبالغا فيه، لكنه طبيعي جدا نظرا لمعدلات ارتفاع أسعار السلع بالسوق خلال نفس الفترة.
ولفت مرسي إلى أن هذا يعكس مرونة أسعار الذهب، وتحركها وفقا للتضخم، بالتزامن مع باقي السلع، وهو أمر طبيعي جدا، ولا يعكس أي تلاعب كما يشاع، أو لنقل بشكل أكثر مصداقية، لا تخضع لتلاعبات مبالغ فيها كما يزعم البعض.
وقال خالد أبو شادي، الخبير الاقتصادي، إن هناك عدداً من العوامل التي تتحكم في أسعار الذهب محليا خلال الفترة الحالية، ومنها العرض حيث يوجد تراجع في المعروض خلال الفترة الحالية مع ارتفاع الطلب نتيجة توقف الاستيراد.
وأشار إلى استقرار أسعار الدولار خلال الفترة الحالية، كما أن هناك تخوفات من الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة بجانب قلق من فكرة الديون، وبالتالي جعل الطلب الحقيقي على الذهب للتحوط، خاصة أن البورصة العالمية لم تتحرك بشكل كبير على مدار الفترة الماضية، بجانب أزمة السودان، وبالتالي ارتفع الطلب على الذهب .
وفيما يتعلق بالذهب عالميا، قال أبوشادي إن العقود الفورية ارتفعت إلى أكثر 2092 دولار، على الرغم من أن أقصى معدل وصلت له هو نحو 2072 دولار، وذلك بعد اجتماع الفيدرالي الأمريكي، وانهيار 3 بنوك.
وبالتالي بدأ التضخم يتراجع في أمريكا من 9 شهور، مما كان لرفع الفائدة أثر على التضخم، وبالتالي سيتم وقف رفع سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة.
ولكن الذهب سيتحرك لمستويات قياسية حيث أن رفع الفائدة يؤثر سلبا على الذهب ويرفع سعر الدولار، ولكن مع قرار وقف رفع الفائدة سيؤدي إلى. زيادة أسعار الذهب ووصوله لمستويات قياسية.