تعد منطقة الصاغة المعقل التاريخي لصناعة وتجارة الذهب عبر العصور المختلفة، المكان الذي تجمع فيه شيوخ المهنة من أكثر من ألف عام، وشهدت تتابع الأجيال وتوارث المهنة من جيل لجيل ومن عائلة لأخرى، المكان الذي حفظ بين جدرانه عادات وتقاليد المصريين، ورصد تنوع قطع الحلي واختلافها من المشاء الله، إلى الكردان والخلخال.
تقع “الصاغة” بشارع المعز لدين الله الفاطمي، والذي يرجع تاريخه إلى أكثر من ألف عام ميلادي، أي منذ إنشاء القاهرة الفاطمية، ويمتد من باب الفتوح مرورًا بمنطقة النحاسين، ثم خان الخليلي، فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد “الموسكي”، ثم يقطعه شارع الأزهر مرورًا بمنطقة الغورية والفحامين، ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة.
ولـ ” الصاغة” أربعة مداخل ناحیة الموسكي والغورية والعطارين وبیت القاضي، وترجع نشأتها إلى السنوات الأولى لإنشاء القاهرة الفاطمية، وتضم ورش تصنيع الذهب وسوق تجارة الجملة والتجزئة، وتعد وكالة الجواهرجية بسوق الصاغة البورصة التي تحدد أسعار بیع وشراء الذھب بالسوق المحلية.
كانت الصاغة دومًا مقصدًا لعامة وفقراء الشعب المصري، رغم كونها سوقًا لسلعة ثمينة، إلا أنها كانت في متناول الطبقات البسيطة من أفراد الشعب، يشترون ما يتوافق مع احتياجاتهم وقدراتهم الشرائية من المشغولات الذهبية والفضية، بجانب الذهب القشرة الذي تداول مع بداية القرن العشرين على أيدى بعض العائلات اليهودية، ومن بينها ماركة الجمل الشهيرة المصنوعة من الذهب النحاس المطلي بطبقة من الذهب عيار 21 ذات التركيز العالي.
قال الدكتور عبد العال محمد عبد العال استاذ تصميم الحلي بكلية الفنون التطبيقية، إن الصاغة كانت مقصدًا للطبقات المتوسطة من المصريين، بخلاف منطقة المناخ، المعروف حاليًا بـشارع “عبد الخالق ثروت”، والتي كانت مقصدًا الطبقات الراقية والثرية من المصريين، حيث اشتهرت بتجارة الألماس، وقد شهدت منطقة المناخ أيضًا تجمعا للجواهرجية الأرمن .
الصاغة … مش محلات بيع الذهب وبس !!!
تمتد الصاغة من بداية تقاطع شارع جوهر القائد “الموسكي” إلى مستشفى السلطان قلاوون، وبها حارات مرتبطة بها تتم بها صناعات مكملة تخدم فئات مختلفة من المجتمع، فهذه الحارات المجاورة لها مثل حارة اليهود وخان أبو طاقية والصالحية ووكالة أبو الروس ووكالة الجواهرجية وربع السلسلة، وكل منهم يشتهر بشئ ما.
فتشتهر حالة “الصالحية” ببيع الأحجار الكريمة ويتواجد بها حكاكي الأحجار، ويتوافد عليها كثير من عشاق الحلي، خاصة المرأة التي تقوم بتصنيع حليها بنفسها أ تدير مشروعًا صغيرًا للحلي فيها كثير من الخامات الوسيطة التي تساعدها في إنتاج منتجات من الحلي المجمعة من الأحجار الصناعية والكريمة.
بينما تشتهر “وكالة الجواهرجية“، بتجمع تجار الذهب الخام، وتحديد أسعار الذهب، حيث يقوم هؤلاء التجار بشراء وتجميع الذهب الكسر أو المستعل من محلات الذهب، وصهره وتحويله إلى سبائك ذهبية تستخدم في تصنيع المشغولات أو تصدر للخارج .
في حين تشتهر “وكالة أبو الروس”، بورش تركيب الأحجار الكريمة والألماس وتلميع وطلاء معدن الذهب الأصفر والأبيض، بالإضافة إلى ورش الفضة.
أما “حارة اليهود” ، فهي من أشهر مناطق الصاغة، حيث كانت المكان الذي يقطن به نسبة كبيرة من اليهود في مصر، وبعد خروجهم في فترة الستينيات، وحلت بعدها بعض محلات بيع الذهب وبعض الورش الصغيرة مثل ورش تصنيع الذهب وصناعات أخرى مكملة.
بينما يعرف “خان أبوطاقية”، بأنه ظهير شارع الصاغة، ويتواجد بها بعض الورش التي تعمل في تجهيزات المعادن والفضة والذهب، بالإضافة إلى بعض المحلات لبيع الأدوات الأساسية اللازمة لكل من يريد للعمل بمهنة الصياغة وصناعة الحلي.
ويضم “ربع السلسلة” ورش لتصنيع الذهب والفضة .
الصاغة …مهن وحرف !!!
أوضح، عبد العال، إن صناعة الذهب ارتبطت بمجموعة متنوعة من المهن التي تكاملت مع بعضها لإنتاج قطع الحلي أو المشغولة الذهبية، بعض منها قائم بذاته في ورشة وأخرى تعد قسمًا في مصنع، مثل اللحام و تلميع وطلاء، والسبك و تصنيع علب المجوهرات، وغيرها من المهن.
فيعرف “المصمم” بأن المصمم الذي يقوم بتصميم الذهب والمجوهرات في قطع من الحلي، واستنباط أفكار تصميمية من التراث أو الطرز الفنية المختلفة ونبغ المصمم الشعبي في تصميم قطع فريد من الحلي من أبرزها الحلق المخرطة والكردان.
بينما يعرف “الصائغ، بأنه الشخص المنوط بصياغة المشغولة الذهبية وتنفيذها بالطرق المختلفة، من نشر ولحا أو سبك.
وتضم منطقة الصاغة مهنة تعرف بـ” الشيشنجي” وهو حرفي متخصص في تحديد عيار الذهب.
بينما “المركباتي” حرفي متخصص في تركيب الأحجار الكريمة، و”الحكاك”، وهو الحرفي المنوط بحك الأحجار الكريمة وصقل أشكالها، في أشكال كالمربع والدائري والمستطيل.
ويتخصص الشماع “الموديلاست”، في تصنيع قطع الحلي من الشمع قبل تنفيذها من الذهب بطريقة السبك.
ويطلق سوق الذهب لقب “القومسيونجي” أو” الأبونيه” أو تاجر الشنطة، على من يسوق بعض المشغولات في السوق لمصلحة التجار والشركات.
ويطلق لقب “المسوقجي” على أصحاب المهنة التي بتجميع وبيع الذهب الخام.