ردّت الإمارات على اتهامها بالتورط في تجارة الذهب المهرب من أفريقيا، بعد استحواذها على الحصة الكبرى من ناتج عمليات الاستخراج الحرفية.
واتهم تقرير لمنظمة سويسرية غير حكومية الإمارات بأنها المتلقي الرئيس لعشرات المليارات من الدولارات من الذهب المهرب من أفريقيا سنويًا، مما يعكس القلق المتزايد بشأن التجارة غير المشروعة في المعادن الثمينة.
وكشفت منظمة “سويس إيد” Swissaid، في تقرير تصدير نحو 435 طنًا من الذهب تبلغ قيمتها 31 مليار دولار من أفريقيا بشكل غير معلن في عام 2022، وهو ما يضاعف الكميات غير المشروعة خلال عقد من الزمن إلى نحو 40% من إنتاج القارة، أو 12% من الإنتاج العالمي.
وأوضحت المنظمة غير الحكومية إن الإمارات العربية المتحدة تلقت 405 أطنان من المعدن الثمين المباع في السوق السوداء في عام 2022، وتقول المنظمة إنه على مدار العقد الماضي، قبلت الدولة أكثر من 2500 طن من الذهب المهرب، بقيمة تزيد عن 115 مليار دولار.
وأبلغت وزارة الاقتصاد الإماراتية منظمة “سويس إيد” أن الحكومة لا يمكن أن تكون مسؤولة عن سجلات التصدير الخاصة بالدول الأخرى، بل هي فقط مسؤولة عن سجلاتها الخاصة، وذكرت السلطات أنها تمتلك تقنيات وأنظمة متقدمة لتتبع بياناتها الخاصة والتحقق منها.
وأكدت الوزارة أيضًا أن الإمارات العربية المتحدة نفذت تدابير لمنع غسل الأموال في قطاع الذهب، وفقًا للتقرير.
وقال مسؤول إماراتي، لـ” رويترز”، إن بلاده اتخذت خطوات مهمة لمعالجة المخاوف بشأن تهريب الذهب، وتبنّت لوائح جديدة تتعلق بالذهب والمعادن النفيسة الأخرى، حسبما ذكرت رويترز.
وأدخلت الإمارات لوائح جديدة بشأن مصافي الذهب في عام 2023 لتحسين العناية الواجبة عند تحديد مصادر الذهب، بما في ذلك فحص وإجراء زيارات ميدانية للمناجم الحرفية.
وكشفت منظمة “سويس إيد” إنتاج ما بين 321 و474 طنًا من الذهب الحرفي في أفريقيا دون إعلانها، وهو ما يعادل قيمة تتراوح بين 24 مليار دولار و35 مليار دولار، يسلك غالبيتها طرق غير مشروعة من خلال عمليات التهريب، التي تضاعفت بين عامي 2012 و2022.
وأشارت المنظمة السويسرية إلى أن معظم الذهب المهرب من أفريقيا يذهب إلى دبي قبل إعادة تصديره بشكل قانوني لدول أخرى.
وقال التقرير، إن الإمارات، التي تشتهر بمركزها التجاري الإقليمي المهيمن دبي بسوق الذهب، استحوذت على 93% من صادرات الذهب المهرب من أفريقيا، وكان المستوردان الأكبران التاليان هما سويسرا والهند.
وتعدّ قارة أفريقيا المنتج الرئيس للذهب في العالم، إذ تصدرت غانا وجنوب أفريقيا ومالي وبوركينا فاسو الإنتاج عام 2022.
وأضافت المنظمة أن المعدن الثمين كان “مصدر دخل لملايين من عمال المناجم الحرفيين، والمصدر الرئيس للدخل للعديد من الحكومات، ووسيلة لتمويل الجماعات المسلحة، وسببًا لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، إضافة إلى تدهور البيئة”.
ووصف التقرير دبي بأنها المركز الدولي لتجارة الذهب المهرب من أفريقيا، الذي يشقّ طريقه بعد ذلك إلى دول أخرى، بينها سويسرا.
قدّرت المنظمة السويسرية أنه خلال عام 2022 كان نحو 665% أو ما يعادل 405 أطنان من الذهب الذي استورِدَ في الإمارات من أفريقيا كان مُهرَّبًا من دول القارة السمراء.
ويصل الذهب المهرّب من أفريقيا إلى دبي بالطائرة “في حقائب يد أو حقائب السفر في رحلات جوية مجدولة أو طائرات خاصة”، إذ تُعدّ الإمارة مركزًا لمصافي الذهب وللآلاف من تجّار المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
ومن هناك، يُرسَل الذهب القادم من أفريقيا بشكل رئيس إلى سويسرا، ثاني أكبر مستورد للذهب الأفريقي، وكذلك إلى الهند، وفق تقرير “سويس إيد”، اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضحت المنظمة غير الحكومية أنه بموجب القانون السويسري، فإن منشأ الذهب يكون في آخر مكان عولجَ فيه، وبهذا فإن الذهب الذي يصل إلى سويسرا لا يمكن تعقُّبه ونسبته إلى أفريقيا.
ويغطي التقرير المدة من عام 2012 إلى 2022، ويستند إلى بيانات جُمِعَت من 54 دولة إفريقية، إضافة إلى مقارنة بيانات إنتاج الذهب مع بيانات الاستيراد والتصدير الرسمية.
ويؤكد حجم التدفق مدى تطور التعدين صغير النطاق أو الحرفي إلى نشاط يشارك فيه ملايين الأشخاص الذين ينتجون كميات من الذهب تعادل -أو ربما تزيد على- التعدين الصناعي.
وأوضح التقرير، أن الذهب المهرب من أفريقيا يشير إلى وجود اقتصاد مواز غير قانوني واسع النطاق يمكن استغلاله لغسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب من العقوبات.
وقال مارك أوميل مسؤول السلع في سويس إيد وأحد المشاركين في التقرير، ، إن دبي تسهم في تبييض الذهب بالنظر إلى أن كميات كبيرة من الذهب المهرب تكتسب وجودًا قانونيًا من خلال المرور عبر الإمارات.
وأضاف: “إذا واصلنا رؤية أكثر من 400 طن من الذهب الذي لا توجد له صفة قانونية تدخل إلى الإمارات سنويًا، فإن هذا مؤشر واضح على وجود خلل خطير بتنفيذ اللوائح في الإمارات”.
بعد أن سجلت أسعار الذهب مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام، ستكثّف الأرقام التدقيق في التعدين غير القانوني في مناطق الصراع مثل شرق الكونغو الديمقراطية والسودان، ودور صناعة المعادن الثمينة في الإمارات.
وشكّل استخراج الذهب من قبل عمال المناجم “الحرفيين” مشكلة طويلة الأمد بالنسبة لقطاع الذهب، ولكنه أصبح أكثر حدة بعد ارتفاع أسعار المعدن.
وسجلت أسعار الذهب مستوى قياسيًا عند 2400 دولار للأوقية في أبريل ، مع شراء المصارف المركزية في الأسواق الناشئة، بقيادة الصين، السبائك لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار الأميركي.
وقال التقرير، إنه من بين الدول الأفريقية، سجلت مالي وزيمبابوي وساحل العاج أكبر كميات من إنتاج الذهب غير المعلن.
وفي العام الماضي، حصلت شركة بريميرا -وهي شركة لتجارة الذهب مقرّها أبوظبي- على احتكار لمدة 25 عامًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية لتجارة وتصدير إمدادات الذهب “الحرفية” على نطاق صغير، في خطوة تهدف إلى مكافحة تجارة التهريب.
وتقاتل الدولة الواقعة وسط أفريقيا المتمردين في مناطقها الحدودية الشرقية، إذ يحتوي حزام التعدين على كميات هائلة من الذهب.
ويقول محللون ومسؤولون كونغوليون، إن الجماعات المسلحة تسيطر على سلاسل الإمداد الإستراتيجية في رواندا وأوغندا.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية، إن معظم ذهب الكونغو هُرِّبَ إلى رواندا وأوغندا المجاورتين، وتمّ تكريره وتصديره بشكل رئيس إلى الإمارات.
وحرمت كيجالي مرارًا وتكرارًا من الاستفادة مما تدّعي الكونغو أنه مليار دولار تخسره سنويًا بسبب التصدير غير المصرّح به للمعادن، مضيفة أن قطاع التعدين لديها “منظم ومراقبة بالكامل” و”إمكان التتبع إلزامي”.
وأضاف التقرير أن الإمارات كانت الوجهة الرئيسة للغالبية العظمى من الذهب الحرفي المستخرج في 18 دولة أفريقية مُدرجة في قائمة الاتحاد الأوروبي للدول المتأثرة بالصراعات والمخاطر العالية.