كتب: وليد فاروق
شهد سوق الذهب المحلي واقعة مثيرة للجدل بعد اكتشاف مجموعة من الجنيهات البلدي المباعة في أحد محال الإسكندرية بعيار أقل من المتعارف عليه.
وبحسب ورشة المتحدة المختصة بفحض وشيشن الذهب بالإسكندية، فقد تم فحص نحو 24 جنيهًا بلديًا لأحد العملاء، ليتضح أن العيار الحقيقي لم يتجاوز 820 بدلاً من 875، أي ما يعادل نقصًا جوهريًا في محتوى الذهب الصافي.
التحليل الفني أظهر أن كل جنيه من هذه المجموعة يحتوي على نحو 7.50 جرام فقط من الذهب عيار 21، في حين أن الوزن الطبيعي المتعارف عليه يقارب 8 جرامات صافية، هذا يعني أن الجنيه الواحد ناقص ما يقارب نصف جرام كامل، وليس مجرد 0.25 جرام كما يحدث في بعض الحالات.
خطورة العيار 820
أي تراجع في العيار عن النسبة الرسمية المعتمدة (875 للجنيه البلدي عيار 21) يُعد بمثابة إخلال بالمعايير الفنية والقانونية، ويُعرّض المستهلك لخسائر مباشرة، العيار 820 يعادل عمليًا نقص نحو 6.3% من الذهب الصافي مقارنة بالعيار الرسمي، وهو فارق كبير في سوق يُقاس بالجرامات والدقة.
ويؤكد أن مثل هذه الممارسات تفتح الباب للتشكيك في مصداقية بعض الورش أو المحال غير الملتزمة بالمعايير، مطالبًا بتدخل رسمي للرقابة.
الجنيه الذهب.. حصالة المصريين
منذ عقود طويلة ظل الجنيه الذهب البلدي أحد أشهر أشكال الادخار الشعبي في مصر، فهو قطعة ذهبية صغيرة الوزن (نحو 8 جرامات صافية عيار 21) يسهل اقتناؤها وبيعها في أي وقت، ما جعله “حصالة المصريين” وملاذًا آمنًا ضد التضخم وتراجع قيمة العملة، غير أن هذا الرمز الشعبي يواجه اليوم تحديًا جديدًا يتمثل في بروز الجنيه الذهب المغلف الذي تطرحه شركات كبرى بعلامات تجارية وعبوات محكمة الغلق، في محاولة لملء الفراغ الذي أحدثته مشكلات “الجنيه البلدي”.
الجنيه البلدي: إرث ثقافي يواجه أزمة ثقة
الجنيه البلدي ارتبط بالذاكرة الجمعية للمصريين، خصوصًا في الأرياف والطبقات الوسطى، حيث يُستخدم كوسيلة ادخار و”جهاز العرائس” وضمان للأزمات، لكن الأزمة تفجرت مؤخرًا بعد تعرضها لكثير من المشكلات بداية من التلاعب في العيار وخصم التجار نحو 40 مللي من قيمته خلال إعادة البيع،.
حالات التلاعب في الوزن والعيار تهدد بفقدان الثقة في هذا الوعاء التقليدي، مما قد يدفع بعض المدخرين للبحث عن بدائل أخرى.
الجنيه المغلف: محاولة لتأسيس الثقة المؤسسية
اتجهت بعض الشركات العاملة في الذهب إلى طرح الجنيه المغلف، والذي يأتي في تغليف شفاف محكم الغلق، يحمل ختم الشركة، ورقمًا تسلسليًا، وشهادة بوزن وعيار مضمونين.
يقول خبراء إن هذا الشكل يهدف إلى تحويل الذهب من مجرد قطعة نصف مشغولة إلى منتج استثماري مؤسسي أقرب إلى السند أو الشهادة البنكية، فهو يمنح المستهلك طمأنينة بأن العيار والوزن مضمونان، ولا يمكن التلاعب بهما بعد التغليف.
ضعف الرقابة وتكرار الشكاوى
رغم الدور الرقابي لمصلحة دمغ المصوغات والموازين، فإن الشكاوى تتزايد بشأن ضعف المتابعة الميدانية للورش الصغيرة والمحال خارج القاهرة الكبرى، ويشير خبراء إلى أن الرقابة غير المنتظمة تسمح لبعض المنتجين بطرح مشغولات أو جنيهات غير مطابقة للمواصفات، مستغلين ضعف وعي المستهلك أو غياب الفحص المخبري الدقيق.
دعوات للإصلاح
يطالب تجار وخبراء الذهب بضرورة، تشديد الرقابة على الأسواق، وتوحيد المواصفات وتأكيد الالتزام بالعيار الرسمي، وإصدار عقوبات رادعة بحق المخالفين لحماية المستهلك.
الجنيه الذهب البلدي ما زال يحتفظ بمكانته في الوجدان الشعبي كرمز للادخار والأمان المالي، لكن أحداثًا مثل واقعة الإسكندرية الأخيرة تكشف أن هذا الرمز يواجه أزمة ثقة تهدد استمراره كأداة ادخار مفضلة، وإذا لم تُتخذ إجراءات حاسمة للرقابة والإصلاح، فإن السوق المحلي قد يخسر أحد أعمدته التقليدية لصالح بدائل أخرى أكثر شفافية وضمانًا.