شهدت أسعار الذهب ارتفاعات غير مسبوقة خلال الفترات الأخيرة، في ظل نزاع قوي مع الدولار الأمريكي، ووسط التوقعات بتغير السياسة النقدية الأمريكية، وحالة من عدم اليقين الاقتصادي، وتزايد التوترات الجويسياسية، وتوجه البنوك المركزية لتعزيز احتياطياتها من الذهب، والتخلي عن الدولار.
يلاحظ المحللون أن مستثمرو الذهب لديهم كل الأسباب لجني الأرباح، حيث تستمر التوقعات حول السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في التأرجح بشكل كبير.
بدأ كل شيء يوم الجمعة الماضي بعد أن أجبر تقرير الوظائف الأسواق بشكل كبير على تلاشي توقعات خفض 50 نقطة أساس الشهر المقبل.
تلقى مؤيدو السياسة النقدية الأمريكية ضربة أخرى هذا الأسبوع بعد ارتفاع التضخم الاستهلاكي أكثر من المتوقع، مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بنسبة 3.2٪ على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية.
على الرغم من تقليص توقعات المستثمرين لسياسية التيسير النقدي، لاحظ المحللون أن سوق الذهب أكبر بكثير من تبني توجه واحد للسياسة النقدية، في حين تشير التوقعات أن الفيدرالي الأمريكي قد لا يقرر خفضًا آخر لسعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس قريبًا، لكن أيضًا من الواضح أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لن يعود إلى سياسته النقدية المتشددة، حتى مع بقاء التضخم مرتفعًا.
لقد أصبح بوسع المراقبين للأسواق، أن يلحظوا بالفعل تأثير التحول الذي أحدثه بنك الاحتياطي الفيدرالي في السياسة النقدية في السوق العالمية، فوفقًا لمجلس الذهب العالمي، قاد المستثمرون في أمريكا الشمالية، التدفقات الداخلة إلى صناديق الاستثمار المتداولة والمدعومة بالذهب.
في الشهر الماضي، تدفقت 1.36 مليار دولار من الذهب إلى صناديق الاستثمار المدرجة في أمريكا الشمالية، مقارنة بتدفقات عالمية بلغت 1.4 مليار دولار.
هذا هو التحرك السعري النموذجي الذي شهده سوق الذهب، وأشار مجلس الذهب العالمي إلى أن هذا الاتجاه لا يزال جديدًا نسبيًا، فمن الناحية التاريخية، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 6% في الأشهر الستة الأولى من دورة التيسير النقدي الأخيرة.
السياسة النقدية الأمريكية ليست سوى عامل واحد من العوامل الداعمة للذهب، في حين تستمر البنوك المركزية في كونها مشترين صافين للمعدن الأصفر، حتى برغم خروج الصين من اللعبة خلال الأشهر الخمسة الماضية ــ على الأقل بصفة رسمية.
ومع استمرار الطلب من جانب البنوك المركزية في لعب دور مهيمن في السوق، تثار أسئلة جديدة حول أين تذهب كل هذه الأموال.
هذا الأسبوع، أشارت تصريحات صحفية لـ “يان نيوينهويجس” محلل المعادن الثمينة، والذي تكهن بأن المملكة العربية السعودية اشترت 160 طنًا من الذهب منذ عام 2022.
ليس من الصعب تصديق أن البنوك المركزية تشتري الذهب سرًا، حيث أشار أحدث تقرير لمجلس الذهب العالمي للاتجاهات العالمية، إلى أن 67٪ من مشتريات البنوك المركزية المقدرة لم يتم الإبلاغ عنها في الربع الثاني.
يمكن الآن إضافة روسيا إلى قائمة البنوك المركزية التي تشتري الذهب سرًا كجزء من برنامج شراء المعادن الثمينة الجديد واسع النطاق.
وفقًا لبند في مشروع الميزانية الفيدرالية، تدرس الحكومة الروسية إنفاق 51 مليار روبل (535.5 مليون دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتجديد احتياطياتها من المعادن الثمينة. ويشمل ذلك الذهب والفضة ومعادن المجموعة البلاتينية.
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تبني فيها روسيا مخزونًا من البلاتين والروديوم، لقد باعت الدولة كل احتياطياتها من المعادن النفيسة في عام 2012، ومع ارتفاع إمدادات هذه المعادن، فمن المنطقي الاحتفاظ بمخزون أساسي، وخاصة بالنسبة لمنتج رئيسي.
في نهاية المطاف، سواء بسبب ضغوط التضخم العنيدة، أو تراجع هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، أو مزيج من الاثنين، فقد ظل الذهب صامدًا في مواجهة الدولار الأمريكي.
في عالم يتأرجح باستمرار في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، فليس من المستغرب أن يبدأ المستثمرون في البحث عن فرص لشراء الذهب بسعر مخفض.