وسط ارتفاع قياسي في أسعار الذهب محليًا وعالميًا، يشهد سوق الذهب المصري تراجعًا حادًا في حركة البيع بشوارع الصاغة، في ظل تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، وتحمل المصانع تكاليف وأعباء العمالة الماهرة للحفاظ على استدامة الإنتاج وجودة التصنيع، بحسب ما صرح به عماد سعد، رئيس مجلس إدارة شركة أفريو جولد.
وقال سعد في حوار خاص لـ”عيار 24″ إن “شوارع الصاغة تشهد غيابًا شبه كامل للزبائن، وشوارع الصاغة “فاضية” تقريبًا، نتيجة ارتفاع أسعار الذهب، ما أدى إلى تراجع الطلب المحلي بشكل كبير”، وسط تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة.
مضيفًا أن “هذا التراجع الحاد يؤثر بشكل مباشر على المبيعات ويدفع المصنعين لتحمل أعباء العمالة الماهرة والمدربة للحفاظ على سمعة الصناعة وجودة المنتجات”.
وأشار سعد إلى أن جرام الذهب عيار 21 وصل في السوق المصرية إلى ما يزيد على 4700 جنيه، وسط ارتفاع أسعار المعدن النفيس عالميًا التي تجاوزت مؤخرًا 3,350 دولار للأوقية، وهو مستوى لم يشهده الذهب منذ سنوات.
وأشار سعد إلى أن أسعار الذهب عالميًا ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، حيث تجاوز سعر الأوقية حاجز الـ3,300 دولار، مدعومًا بالمخاوف الجيوسياسية والتوترات الاقتصادية العالمية، وعلى رأسها أزمة الديون الأمريكية وتقلبات سوق السندات.
ارتفاع الأسعار مقابل انهيار القوة الشرائية
مع وصول سعر الجرام عيار 21 حاجز إلى 4700 جنيه، لم يتمكن السوق المحلي من الاستفادة من هذه الارتفاعات، بل على العكس، انعكست سلبًا على حركة البيع والشراء، حتى في المناسبات التي كانت تشهد رواجًا نسبيًا، كالأعراس أو الأعياد، إذ واجه المواطن المصري تحديات كبيرة في ظل تآكل القوة الشرائية وارتفاع مستويات التضخم، مما جعله يؤجل أو يلغي قرارات الشراء المتعلقة بالمعدن الأصفر، سواء بغرض الاستثمار أو الزينة.
ارتفاعات قياسية في الأسعار
شهد الذهب ارتفاعات متسارعة في الأسواق العالمية، إذ قفز سعر الأوقية من حوالي 1,900 دولار في بداية 2023 إلى أكثر من 3,350 دولار في أبريل 2025، أي بزيادة تزيد على 75% خلال عامين، في السوق المحلي، تراوح سعر جرام الذهب عيار 21 بين 3,000 إلى 4,200 جنيه خلال نفس الفترة، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة تزيد على 40%.
وأضاف، سعد، أن “ارتفاع الأسعار العالمية جاء مدفوعًا بمخاوف المستثمرين من تقلبات غير مسبوقة في أسواق السندات، خصوصًا بعد تخفيض تصنيف الدين الأمريكي وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل في الولايات المتحدة واليابان”، مشيرًا إلى أن “هذه العوامل تسببت في زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن عالميًا، رغم ضعف القوة الشرائية محليًا”.
تراجع المبيعات بنسبة تقارب 50%
على الرغم من هذه الارتفاعات، تشير تقارير غير رسمية إلى أن حجم المبيعات في السوق المحلية تراجع بشكل حاد بنحو 45-50% خلال العامين الماضيين، ويرجع هذا التراجع بشكل رئيسي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين، وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى ارتفاع سعر المعدن نفسه
وأظهرت بيانات حديثة أن أسعار الذهب ارتفعت بنحو 27% خلال العام الماضي، وما يقرب من 25.5% منذ بداية العام الجاري، لكن رغم هذا الارتفاع لم تشهد استثمارات الذهب تعافيًا مماثلًا في السوق المصرية، حيث لا تتجاوز نسبة الأصول المستثمرة في القطاع حوالي 1% من إجمالي الأصول المدارة عالميًا.
المصانع تتحمل الأعباء للحفاظ على العمالة
أشار سعد إلى أن “المصانع تواجه تحديات مالية كبيرة في ظل ضعف حركة السوق، لكنها تحاول الحفاظ على العمالة المدربة كعنصر أساسي في جودة الذهب المصري والتزامه بالمواصفات العالمية”.
وأضاف سعد: “رغم تراجع الطلبيات بنسبة كبيرة، إلا أن المصانع مضطرة للإبقاء على العمالة المدربة مهما كلّفها الأمر، لأن فقدانها سيكون خسارة لا تعوّض، خصوصًا في ظل ندرة الكفاءات في هذا القطاع الذي يعتمد بشكل أساسي على الحِرَف اليدوية الدقيقة، حيث تتطلب هذه العمالة مهارات عالية وتدريبًا متخصصًا، ما يجعلها رأس مال بشري يصعب تعويضه، ولهذا تبذل المصانع جهودًا مكثفة للحفاظ عليهم رغم الركود الحاد، وهو ما يزيد من الأعباء التشغيلية التي تتحملها الشركات، إضافة إلى تكاليف المواد الأولية وأسعار الكهرباء والوقود التي ارتفعت خلال الفترة الماضية، مما أثر سلبًا على هوامش الربح وأرباح المصانع.
حجم مصانع الذهب والعمالة في مصر
وفقًا لبيانات غرفة الصناعات المعدنية، يضم قطاع صناعة الذهب في مصر حوالي 3,000 مصنع وورشة، تتوزع بين مصانع كبيرة ومتوسطة وصغيرة، توظف مجتمعة ما يقرب من 80,000 عامل مهرة.
دعوات لسياسات تحفيزية
وطالب رئيس شركة أفريو جولد بضرورة تحرك الجهات المعنية لدعم صناعة الذهب، عبر سياسات تحفيزية تشمل تخفيف الأعباء الضريبية والرسوم على المصانع، وتسهيل حركة التصدير للأسواق الخارجية، لتعويض الركود المحلي.
وقال، أصبح من الواضح أن أزمة الذهب الحالية ليست أزمة أسعار مرتفعة فقط، بل أزمة تراجع في الطلب وركود في السوق، وهو ما يدفع بالصناع والمستثمرين إلى إطلاق ناقوس الخطر، محذرين من خسارة مهارات تراكمت عبر أجيال.
وأكد سعد على ضرورة توفير دعم مباشر للقطاع، سواء عبر تخفيض الضرائب والرسوم، أو تقديم تسهيلات تمويلية تساعد المصانع على تجاوز الفترة الصعبة، والحفاظ على العمالة الماهرة”.
أضاف، تبقى صناعة الذهب واحدة من أكثر القطاعات قدرة على التعافي والازدهار، شريطة أن تُمنح الدعم المطلوب في الوقت المناسب
يرى سعد أن الذهب سيظل في دائرة الاهتمام الاستثماري، خصوصًا في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية، مع ضرورة اتخاذ خطوات محلية لتخفيف أعباء المنتجين وتحفيز السوق، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على العاملين في القطاع وعلى قدرة المستهلكين على اقتناء المعدن النفيس.
كما يؤكد على أهمية تعزيز الوعي لدى المواطنين بدور الذهب كملاذ آمن وحفظ قيمة، خاصة في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية.