قال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع، أن أسعار الذهب والفضة سجلت ارتفاعًا حادًا خلال تعاملات أمس الإثنين، متجاوزين مستويات مقاومة فنية مهمة، وذلك في ظل تراجع الدولار الأمريكي وزيادة الطلب على الاستثمارات البديلة وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية وعودة المخاوف من الحروب التجارية.
ورغم الحذر بشأن احتمالية تسجيل أسعار الذهب والفضة لمستويات قياسية جديدة في المدى القريب، إلا أن المعطيات الاقتصادية الكلية ما زالت تدعم توجهات الصعود.
في المقابل، يواصل سوق النحاس من نوع “HG” التداول ضمن نطاق واسع نسبيًا، مع تزايد الترقب لقرارات الرسوم الجمركية الأمريكية التي قد تؤثر بشكل كبير على تحركات الأسعار.
تغير في السرد السوقي: الذهب والفضة يتجاوزان مقاومات عنيدة
في آخر تحديثاتنا، أشرنا إلى مخاطر اتجاه أسعار الذهب والفضة والبلاتين نحو تحركات عرضية ممتدة نتيجة اصطدامها بمستويات مقاومة قوية. لكن مع بداية يونيو، تغيرت الصورة سريعًا: اخترق الذهب – وخاصة الفضة – حواجز فنية مهمة، بينما هدأ زخم البلاتين مؤقتًا بعد ارتفاع قوي في مايو.
الدافع المباشر لهذا التحول كان استمرار تراجع الدولار، حيث يتداول مؤشر بلومبرج لقياس قوة الدولار قرب أدنى مستوياته في عامين. غير أن العوامل العميقة تشمل تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتجدد المخاوف التجارية، ما عزز الزخم الإيجابي في أسواق المعادن الثمينة.
تحولات هيكلية في تدفقات رأس المال العالمي تدعم الذهب
على مدار عقود، ساعدت الفوائض الضخمة في الحسابات الجارية العالمية – والتي كانت تقابلها عجز مستمر في الميزان التجاري الأمريكي – في دعم قوة الدولار عبر تدفق الاستثمارات إلى الأصول الأمريكية. لكن هذا النموذج بات محل شك.
فالسياسات التجارية الحمائية والاستقطاب السياسي الحاد لم تعد مؤقتة كما كان يُعتقد، ما دفع صناديق الثروة السيادية والمؤسسات الاستثمارية إلى إعادة التوازن وتخفيف انكشافها على الأسهم والسندات الأمريكية.
وقد ساهم هذا التحول في رفع أسعار الذهب، مع سعي المستثمرين للتحوّط من تدهور استدامة الأوضاع المالية الأمريكية. فوزارة الخزانة تواجه تحديًا ضخمًا يتمثل في إعادة تمويل ما يقرب من 9.2 تريليون دولار من السندات المستحقة في 2025 – أي ما يعادل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وثلث إجمالي الدين القابل للتداول، بالتزامن مع عجز متوقع قدره 1.9 تريليون دولار بحسب مكتب الميزانية الأمريكي.
وفي مقابلة مع شبكة CBS، حاول وزير الخزانة سكوت بيسنت طمأنة الأسواق، قائلًا: “نحن على مسافة آمنة ولن نصطدم بجدار العجز”. لكن ذلك لم يمنع ارتفاع القلق في الأسواق، وسط تزايد الحديث عن “ثقب أسود في المالية الأمريكية”.
وقد لا يكون هناك مخرج سوى العودة إلى التيسير الكمي – ما قد يعيد الضغوط التضخمية ويدعم مجددًا أصول الملاذ الآمن مثل الذهب.
تحليل فني: الذهب يكسر اتجاهًا هابطًا ويوجه الأنظار نحو 4000 دولار
من الناحية الفنية، اخترق الذهب خط الاتجاه الهابط الممتد من قمته التاريخية في 22 أبريل عند 3500 دولار، ليتحول هذا الخط إلى دعم جديد عند 3325 دولار، مع وجود دعوم إضافية عند 3280 و3223 دولار (متوسط 55 يومًا).
ورغم الحذر من إعلان موجة صعود قياسية وشيكة، فإن التركيبة الاقتصادية الحالية – بما في ذلك تباطؤ ما بعد التحفيز، وصدمات العرض الناتجة عن الرسوم، وتراجع ثقة المستهلك، وضعف سوق العمل – قد تدفع الفيدرالي إلى اتخاذ موقف أكثر تيسيرًا، مما يمهد الطريق أمام أسعار الذهب لاستهداف 4000 دولار.
الفضة تحقق قفزة هي الأقوى منذ أكتوبر وتتجه نحو أعلى مستوياتها في 12 عامًا
قفزت الفضة بنسبة 5.4% يوم الإثنين، في أقوى جلسة صعود لها منذ أكتوبر الماضي، لتتجاوز مستوى المقاومة المحوري عند 33.68 دولار والذي أصبح الآن دعمًا.
ورغم توقف الصعود مؤقتًا قبل ملامسة ذروة أكتوبر 2023 عند 34.90 دولار (أعلى مستوى في 12 عامًا)، لا يزال التوجه الصاعد قائمًا مع احتفاظ السعر بدعمه الجديد.
وتُعد الفضة معدنًا مزدوج الطابع – نقديًا وصناعيًا – وبالتالي يتأثر أداؤها بحركة الذهب والدولار، بالإضافة إلى مؤشرات الطلب الصناعي وخاصة من النحاس.
ومع استمرار قوة النحاس، المدعومة بطلب صيني قوي ومخزونات منخفضة عالميًا، فضلاً عن تسارع التحول نحو الطاقة النظيفة، قد يستمر صعود الفضة، كما أن نسبة الذهب إلى الفضة بدأت في التراجع من ذروتها الأخيرة فوق 105 نحو 98، وفي حال استمرار هذا التوجه نحو متوسطها لخمس سنوات عند 91.5، فقد نشهد صعودًا إضافيًا للفضة يتجاوز 36 دولارًا حتى لو استقرت أسعار الذهب.
النحاس في مرمى الرسوم الجمركية.. وتذبذب كبير في الأسعار والفروقات بين نيويورك ولندن
يواصل سوق النحاس في نيويورك تداولاته ضمن نطاق واسع، في ظل انتظار المستثمرين لما ستقرره وزارة التجارة الأمريكية بشأن الرسوم الجمركية المحتملة، والتي قد تصل إلى 25% على واردات النحاس – مما يهدد بتقلبات حادة في سوق أحد أهم المعادن الصناعية عالميًا.
وقد زادت حدة الترقب بعد قرار الإدارة الأمريكية مضاعفة الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% نهاية الأسبوع، في خطوة تهدف لحماية المنتجين المحليين.
وفي حال فرض رسوم على النحاس، فإن المصانع الأمريكية ستواجه تكاليف أعلى مقارنة بنظرائها في الخارج، بينما ستستفيد شركات التعدين المحلية من ارتفاع الأسعار، كما حدث مع شركات الصلب والألمنيوم مؤخرًا.
ومن المتوقع أن يصدر القرار خلال أسابيع، ما قد يؤدي إلى تعديل حاد في أسعار النحاس، خاصة في الفارق بين بورصتي نيويورك ولندن، والذي تراوح بين 6% و15% منذ فبراير الماضي، مع ميل نحو الحد الأعلى مؤخرًا.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من التقييد في المعروض العالمي خلال النصف الثاني من 2025، رغم أن الولايات المتحدة تمثل 6% فقط من الطلب العالمي على النحاس المكرر.
وقد شهدت المخزونات العالمية من النحاس تراجعًا بنحو 196 ألف طن منذ مارس، رغم أن بورصة شيكاغو شهدت تدفقات متعلقة بالرسوم الجمركية بلغت 79 ألف طن، ما رفع المخزونات لأعلى مستوى منذ 2018 عند 183 ألف طن.