في فجر الجمعة 13 يونيو 2025، استيقظ العالم على نبأ عاجل: إسرائيل تنفذ ضربة جوية مفاجئة ضد منشآت نووية إيرانية، ضمن عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “الأسد الصاعد”، وبينما اشتعلت الأجواء في طهران وتل أبيب، اشتعلت أيضًا شاشات التداول في البورصات العالمية، حيث قفز الذهب – كالعادة – متصدرًا المشهد.
في وقت كانت الأسواق تترقب مؤشرات خفض الفائدة الأمريكية كعامل مؤثر في تسعير الذهب، جاءت الضربة العسكرية الإسرائيلية لمنشآت نووية إيرانية، لتقلب الموازين، وتفتح فصلًا جديدًا في العلاقة بين الجغرافيا السياسية وسلوك أسواق السلع، وعلى رأسها المعدن الأصفر.
لم يستغرق الذهب سوى دقائق ليرد على هذه التطورات؛ إذ قفزت الأسعار عالميًا لأعلى مستوى لها منذ أبريل، لتتجاوز حاجز 3440 دولارًا للأوقية، مدفوعة بعدة عوامل استراتيجية لم تعد تقتصر على القلق الجيوسياسي فحسب، بل تشمل تحولًا هيكليًا في بنية الطلب العالمي على الذهب.
يرى خبراء أن الذهب قد يكون في طريقه لتسجيل مستويات قياسية جديدة في حال تطورت الأحداث، خصوصًا مع احتمال تصاعد المواجهة لتشمل أطرافًا أخرى في المنطقة، أو إذا ردّت إيران بقوة على الضربة الإسرائيلية.
التحوّل من تسعير النمو إلى تسعير الخطر
في العادة، تتحرك أسواق الذهب بناءً على مؤشرات النمو الاقتصادي والتضخم والسياسات النقدية، لكن الضربات العسكرية تفرض منطقًا جديدًا على الأسواق، وهو “تسعير الخطر” — أي أن المتداولين لم يعودوا يسعرون احتمالات الخفض أو الرفع في الفائدة فقط، بل يقيمون احتمالات اندلاع حرب إقليمية أو حتى عالمية.
تصعيد تل أبيب نحو عمل عسكري مباشر ضد طهران يمثل تطورًا نوعيًا يضرب مفهوم “الردع المتبادل” الذي حافظ على حدود اللعبة لسنوات، هذا التبدل الجيوسياسي يعيد تشكيل شهية المخاطرة عالميًا.
صدمة النفط وتضخم الذهب
ارتفعت أسعار النفط فورًا بنسبة 9% لتقترب من 78 دولارًا للبرميل، مع تحذيرات من أن أي إغلاق أو تهديد لمضيق هرمز — الذي يمر عبره نحو 20% من صادرات النفط العالمية — قد يدفع النفط فوق 100 دولار.
الارتباط الوثيق بين الذهب والنفط ينعكس في عنصرين:
أولًا، ارتفاع أسعار الطاقة يُترجم إلى تضخم عالمي، ما يعزز جاذبية الذهب كأداة تحوّط.
ثانيًا، ارتفاع تكلفة الإنتاج والتكرير يرفع من قيمة الذهب من منظور تكاليف الاستبدال أو الاحتياط النقدي.
دور البنوك المركزية.. إلى أين يتجه الفيدرالي؟
قبل الضربة، كانت الأسواق تنتظر نبرة تيسيرية من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه المقبل، خصوصًا بعد صدور بيانات تضخم ضعيفة. لكن الوضع الآن اختلف، فالتضخم الجيوسياسي الناتج عن ارتفاع النفط قد يعقّد من قرارات الفيدرالي.
في المقابل، حالة الذعر في الأسواق قد تدفع الفيدرالي للتهدئة بغرض دعم الاستقرار، ما يُترجم إلى دعم إضافي للذهب.
بالتالي، نحن أمام تقاطع غير مسبوق، التوتر الجيوسياسي قد يعجّل بخفض الفائدة لأسباب تتعلق بالاستقرار المالي، وهو ما يصب في صالح الذهب.
الطلب على الذهب لم يعد مقصورًا على صناديق التحوط أو المستثمر الفردي، بل نشهد في الأعوام الأخيرة تحولات سلوكية من البنوك المركزية حول العالم، خصوصًا في آسيا وأمريكا الجنوبية، نحو تكوين احتياطات ذهبية لتقليل الاعتماد على الدولار.
الضربات العسكرية تُسرّع من هذه الاستراتيجية، حيث تُدرك الدول أهمية امتلاك أصول حقيقية قابلة للتداول خارج النظام المالي الأميركي أو تحت ضغط العقوبات.
في ضوء التطورات الحالية، لم يعد الذهب سلعةً يُراهن عليها في الأزمات فحسب، بل أصبح أداةً تقيس بها الأسواق مدى هشاشة النظام العالمي، ودرجة تصعيد الصراع بين القوى الإقليمية والدولية.
رغم أن الضربة العسكرية الإسرائيلية لم تُصعّد فورًا إلى حرب شاملة، إلا أن مجرد تنفيذها كفيل بتغيير قواعد اللعبة، التوتر الآن لم يعد مجرد تصريحات، بل أصبح واقعًا، ما يجعل الذهب في وضع صعودي مدعوم.
الضربة الإسرائيلية لإيران هي نقطة تحوّل استراتيجية قد تدفع الذهب إلى كتابة فصل جديد في تاريخه السعري، لا تحركه فقط البنوك المركزية أو الفيدرالي، بل يُعيد تشكيله الصراع القادم من الشرق الأوسط.