في الوقت الذي تسجل فيه أسعار الذهب ارتفاعات قياسية ضمن موجة صعود ممتدة منذ سنوات، ومع دخول الفضة والبلاتين في اتجاهات صاعدة واضحة، قد يتوقع البعض تدفق الاستثمارات إلى أسواق المعادن الثمينة وصناديقها المتداولة، إلا أن الصورة داخل السوق الأمريكية لا تعكس هذا الزخم، بحسب رؤساء أبرز شركات إدارة الأصول المتخصصة.
في مقابلة مع شبكة CNBC، أكد يان فان إيك، الرئيس التنفيذي لشركة VanEck، أن صناديق الذهب في الولايات المتحدة لم تشهد تدفقات كبيرة، على عكس ما يُفترض في مثل هذا السياق من الأداء القوي.
وقال فان إيك: “لم نرَ بعد تدفقات ضخمة على صناديقنا. بدأنا الدعوة للاستثمار في الذهب والبيتكوين منذ عام 2023 حين كانت الأسعار متدنية، لكن حتى مع تحقيق الذهب لمستويات غير مسبوقة، لا نزال نرى خروجًا للأموال من صناديق الذهب وصناديق التعدين التابعة لنا.”
وأوضح أن كثيرًا من هذه التدفقات الخارجة ناتجة عن قيام المستثمرين بإغلاق مراكزهم القصيرة، وليس عن جني أرباح، مما دفع البنوك إلى سحب السيولة من هذه الصناديق. وأضاف: “في لقاءاتنا مع المستثمرين، نكتشف أن عددًا كبيرًا منهم لا يعلم حتى أن الذهب سجل مستويات تاريخية جديدة.”
وأشار فان إيك إلى أن معظم الطلب النشط على الذهب يأتي من خارج الولايات المتحدة، وتحديدًا من البنوك المركزية الأجنبية التي تتخوف من السياسات التجارية الأمريكية، ومن بينها إمكانية عودة الرسوم الجمركية في عهد ترامب، وقال: “المستثمر الأمريكي لا يزال بعيدًا عن السوق، ولم يبدأ بعد في التحوط من العجز الكبير في الموازنة والديون.”
من جانبه، قال جون شيامباليا، الرئيس التنفيذي لشركة Sprott Asset Management، إن الذهب يواصل تأكيد مكانته كأصل بديل تقليدي وملاذ آمن أثبت جدارته عبر التاريخ. وأشار إلى أن الذهب سجل العام الماضي ارتفاعًا تجاوز 25%، ويعيد الكرة هذا العام، متجاوزًا الاتجاهات طويلة الأجل.
لكن شيامباليا أكد أن هذا الأداء لم يُترجم إلى دخول واسع من المستثمرين الأفراد، بل إن البنوك المركزية كانت هي المحرك الرئيسي للطلب خلال السنوات الثلاث الماضية، في إطار استراتيجية تقودها الصين لتقليل الاعتماد على الدولار وتقليص التعرض لأدوات الدين الأمريكية.
وقال: “الذهب ارتفع هذا العام بأكثر من 26%، بينما تراجعت قيمة الدولار الأمريكي بنحو 9%، وهو أمر نادر الحدوث في أوقات الاضطراب، إذ كان يُفترض أن يلعب الدولار وسندات الخزانة دور الملاذ الآمن. لكن يبدو أن هذا الدور بدأ يتراجع، مقابل صعود الذهب.”
وأشار إلى أن صندوق “Sprott Physical Gold Trust” شهد تدفقات صافية بأكثر من مليار دولار، في حين جذب صندوق الفضة التابع للشركة نحو نصف مليار دولار. وأضاف: “نشهد حاليًا اهتمامًا متزايدًا بالفضة والبلاتين، حيث بدأ المستثمرون بالبحث عن بدائل أقل تكلفة من الذهب الذي بات سعره مرتفعًا جدًا.”
وفي حين أن الاهتمام بأسهم شركات التعدين ما يزال دون التوقعات، لفت فان إيك إلى صعود ما وصفه بـ”الذهب الرقمي”، في إشارة إلى البيتكوين.
وأوضح: “هناك نحو 37 مليون أمريكي لديهم انكشاف على الذهب، في مقابل 50 مليونًا لديهم انكشاف على البيتكوين، وهذا منطقي، بالنظر إلى أن كثيرين يرون في كليهما أداة لحفظ القيمة، لكن في السنوات الأخيرة، تدفقت الأموال الساخنة إلى البيتكوين بفضل الارتفاعات القوية في أسعاره.”
واختتم بالقول: “رغم أن الذهب لم يأخذ بعد حصته الكاملة من الاهتمام، إلا أن المؤشرات بدأت تتغير. بدأنا نرى بعض التدفقات الإيجابية، ويبدو أننا في بداية مسار طويل الأمد.”