ارتبط الذهب بعادات المصريين ارتباطًا وثيقًا، فلم يقتصر على كونه مجرد معدن ثمين، بل يتجاوز ذلك ليصبح جزءًا أصيلاً من التراث، والثقافة، والنسيج الاجتماعي والاقتصادي، على مر العصور ظل الذهب الملاذ الآمن والزينة المفضلة والادخار المحبذ للمصريين، لكن هل صمدت هذه العادات أمام التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة؟
- الذهب بين التقليد العريق والأمان المالي:
تاريخيًا لم يكن الذهب مجرد وسيلة للزينة أو إظهار الثراء في مصر، بل كان ولا يزال جزءًا لا يتجزأ من المناسبات الاجتماعية الهامة، كالمواسم والأعياد والخطوبة والزواج، حيث تعد المجوهرات الذهبية من الهدايا التقليدية في المناسبات، كما تُقدم كـ(شبكة) تعبيرًا عن القيمة والمكانة، وقد اعتُبر الذهب دائمًا مخزنًا للقيمة، واستثمارًا آمنًا في أوقات الشدة، يعتمد عليه الأفراد والأسر للحفاظ على مدخراتهم من تقلبات العملة أو الأزمات الاقتصادية، هذه الثقة المتأصلة في الذهب نابعة من استقراره النسبي وقدرته على الاحتفاظ بقيمته الشرائية على المدى الطويل، مقارنة بالنقود التي قد تتأثر بالتضخم، ومقارنة بأي هدايا أخرى تخسر قيمتها مع الاستهلاك.
- تحولات الاقتصاد تفرض تغييرًا في العادات:
في السنوات الأخيرة شهدت مصر تقلبات اقتصادية ملحوظة، من ارتفاع في معدلات التضخم إلى تغيرات في أسعار صرف العملات، هذه الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت الكثيرين إلى إعادة النظر في عاداتهم المالية والاستهلاكية، والذهب لم يكن استثناء،[1] فبعد أن سجل جرام الذهب عيار 21 حوالي 796 جنيه في بداية عام 2022، ارتفعت قيمته ليسجل حوالي 3850 في أول أيام 2025، فيما وصل الأسبوع الجاري إلى نحو 4675.[2]
- التركيز على الذهب كأداة للادخار والحماية من التضخم:
مع تزايد المخاوف من تآكل القوة الشرائية للجنيه المصري، تحول جزء كبير من اهتمام المصريين نحو الذهب كمخزن للقيمة، أصبح شراء السبائك والجنيهات الذهبية، التي لا تحمل قيمة مصنعية عالية كالمشغولات الذهبية، خيارًا مفضلاً للكثيرين، هذا التحول يشير إلى أن الدافع وراء شراء الذهب لم يعد يقتصر على الزينة بقدر ما أصبح دافعًا استثماريًا وادخاريًا بحتًا، وعملية تنويع في حيازة الأصول. [3]
- التحول من الذهب الثقيل إلى الخفيف:
بينما كان شراء الأطقم الذهبية الثقيلة والمشغولات الفاخرة هو السائد في الماضي، أصبح هناك ميل واضح نحو القطع الذهبية الخفيفة وقطع الحُلي العملية، فلجأ البعض إلى شراء كميات أقل أو قطع ذات وزن خفيف لتقليل التكلفة، ولجأت بعض الأسر إلى استبدال أجزاء من (الشبكة) بالذهب الصيني أو الفضة المطلية بالذهب في محاولة للتكيف مع الظروف الاقتصادية، مع الحفاظ على المظهر التقليدي.
- ظهور بدائل للذهب التقليدي:
في ظل البحث عن استثمارات أكثر سهولة ومرونة، بدأت تظهر صناديق الاستثمار في الذهب، مثل صندوق AZ–Gold الصادر عن شركة أزيموت لإدارة الأصول، وصندوق استثمار شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، والتي تتيح للمستثمرين شراء وحدات تعادل قيمة الذهب دون الحاجة إلى حيازته ماديًا، ورغم أنها لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها قد تمثل بديلاً جذابًا للمستثمرين الصغار الذين يرغبون في الاستفادة من ارتفاع أسعار الذهب دون تحمل أعباء التخزين أو المصنعية. [4]
- تحديات وتوقعات لمستقبل الذهب في مصر:
هذه التغيرات في عادات شراء واقتناء الذهب تعكس واقعًا اقتصاديًا فرض نفسه على الأفراد، فالمصريون بطبعهم العملي، يسعون دائمًا لإيجاد التوازن بين الحفاظ على تقاليدهم العريقة والتكيف مع المستجدات الاقتصادية.
وفي ضوء هذه التحولات من المتوقع أن يستمر الذهب في لعب دور محوري في الاقتصاد المصري، خاصة كأداة للادخار وملاذ آمن، لكن قد نشهد مزيدًا من التوجه نحو الأشكال الاستثمارية للذهب (سبائك وجنيهات)، وربما نموًا أكبر في الاهتمام بالبدائل الرقمية أو صناديق الاستثمار، مع استمرار الحفاظ على قيمته الاجتماعية والثقافية، وإن كانت بكميات أقل أو أشكال مختلفة تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.
[1] حساني شحات محمد، أثر التضخم على سلوك المستهلك.. الاقتصاد المصري نموذجًا، آفاق اقتصادية معاصرة، مايو 2023. متاح على:
[2] المصدر، أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 12 يونيو 2025، تم الاسترجاع من : https://www.almasdar.com/156949
[3] أماني عاطف، أنماط الاستهلاك المجتمعي في مصر في ظل الأوضاع الاقتصادية، آفاق اجتماعية، العدد 6، أبريل 2024. متاح على:
[4] آي صاغة، الرقابة المالية المصرية: 3 صناديق فقط حصلت على تراخيص للاستثمار في الذهب في مصر، مايو 2025، تم الاسترجاع من:
https://market.isagha.com/articles/1716