في أسبوع مضطرب تسوده التوترات الجيوسياسية وتترقبه الأسواق بقلق، نجح الذهب في لفت الأنظار مجددًا، ليس فقط كأصل استثماري آمن، بل كترمومتر دقيق لدرجة الغليان في الشرق الأوسط.
فمع الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت إيران، قفزت أسعار الذهب بقوة لتتجاوز حاجز 3430 دولارًا للأوقية، مسجلة بذلك أعلى إغلاق أسبوعي في تاريخها، ومتفوقة على الدولار الأمريكي الذي فقد زخمه كملاذ تقليدي وتراجع إلى مستوى 98.13 على مؤشر العملة.
لكن هذا الارتفاع، رغم زخمه، لم يمر دون تحفّظات، فقد حذر المحللون من أن الصعود المدفوع بالأزمات الجيوسياسية كثيرًا ما يكون سريعًا لكنه قصير الأجل.
أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، أوضح الأمر بدقة: “الذهب قد يظل فوق 3400 دولار طالما استمر التوتر، لكنه لن يصعد أكثر ما لم تتسع رقعة التصعيد. لقد رأينا هذه السيناريوهات تتكرر مرارًا دون نتائج مستدامة.”
ومع إغلاق الأسبوع، بدأت تظهر مؤشرات جديدة على تقلب متوقع في تداولات الأسبوع المقبل. ميشيل شنايدر من MarketGauge ترى أن جني الأرباح قد يتسبب في بعض التراجع المؤقت، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن المسار الصاعد ما يزال هو الأرجح، خاصة مع استمرار الضبابية على الساحة الدولية.
من جانبه، يلفت نعيم أسلم، كبير مسؤولي الاستثمار في Zaye Capital، إلى أهمية متابعة تطورات أسعار النفط، فوفقًا لرؤيته، إذا ردّت إيران بتهديد واضح لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، فقد نشهد صعودًا جديدًا للذهب مدفوعًا بمخاوف التضخم والاضطراب المالي. أما في حال بقي التصعيد محدودًا، فربما نشهد انحسارًا سريعًا للطلب على الذهب كملاذ.
وفي موازاة المشهد السياسي، تبرز عوامل هيكلية تدفع العديد من المحللين للإبقاء على موقفهم الإيجابي تجاه الذهب، بغض النظر عن طبيعة التطورات الآنية. مايكل براون من Pepperstone يشير إلى أن الذهب أثبت مرارًا أنه ركيزة أساسية في أي محفظة استثمارية تبحث عن التوازن وسط اضطرابات الأسواق.
تتجه الأنظار حاليًا إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يترقب المستثمرون كلمة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بعد اجتماع السياسة النقدية المرتقب الأسبوع المقبل.
وبينما تشير التوقعات إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، فإن بيانات التضخم الأخيرة وملامح التباطؤ الاقتصادي تفتح المجال أمام احتمالات خفض الفائدة لاحقًا هذا العام.
في هذا السياق، يوضح لوكمان أوتونوجا، كبير المحللين في FXTM، أن لهجة باول ستكون حاسمة لاتجاه الذهب:
“إذا بدا الفيدرالي ميالًا للتيسير، فقد يكتسب الذهب دفعة جديدة نحو قمم تاريخية تتجاوز 3500 دولار. أما إذا عبّر عن تحفظ أو أظهر ميلًا للتشدد، فقد يفقد الذهب بريقه مؤقتًا.”
في الأفق القريب: أسبوع مزدحم بالبيانات والتصريحات
ما يضفي على الأسبوع المقبل أهمية إضافية هو زخم الأحداث الاقتصادية المرتقبة، أبرزها:
-
الاثنين: مسح النشاط الصناعي في نيويورك، واجتماع بنك اليابان.
-
الثلاثاء: بيانات مبيعات التجزئة الأميركية.
-
الأربعاء: بيانات البطالة والإسكان في الولايات المتحدة، وبيان الفيدرالي.
-
الخميس: عطلة Juneteenth في أميركا، إلى جانب اجتماعات السياسة النقدية في سويسرا وبريطانيا.
-
الجمعة: مؤشر فيلادلفيا الصناعي.
الذهب اليوم ليس فقط مرآة لحروب المنطقة، بل أصبح أيضًا رهانًا استراتيجيًا على كل من تردد الفيدرالي، واتساع رقعة التوتر الجيوسياسي، وشهية المستثمرين للابتعاد عن المخاطرة، وبينما يتحرك في نطاق غير مسبوق، يبقى سؤال اللحظة: هل نحن على أعتاب قمة تاريخية جديدة؟ أم أن الأسواق تكتفي برسالة الخوف دون تنفيذ التهديد؟