رغم استقرار أسعار الذهب مؤخرًا قرب مستوى 3370 دولارًا للأوقية، بعد تراجعها الطفيف من ذروة 3454 دولارًا، إلا أن الخبراء لا يرون في هذا الهدوء سوى هدوءًا يسبق العاصفة، مايك مكلون، كبير المحللين الاستراتيجيين في “بلومبرج إنتليجنس”، حذر في تصريحات صحفية من أن الأسواق تُسعّر خطأً مزيجًا خطيرًا من الركود التضخمي، والتوترات الجيوسياسية، والغموض بشأن سياسات البنوك المركزية.
وأوضح مكلون: “العالم يتجه نحو الركود، بينما لا تزال السياسة النقدية متشددة، السوق يبدو مبالغًا في التقييم، والأسعار متضخمة، والذهب وحده هو الاستثناء الذي يواصل الصعود”.
الفيدرالي يُهدئ مؤقتًا… والمخاطر تتصاعد
في اجتماعه الأخير بتاريخ 18يونيو، قرر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تثبيت أسعار الفائدة عند نطاق 4.25% إلى 4.5%، مع تعديلات في توقعاته الاقتصادية؛ حيث خفض من تقديرات النمو، ورفع من تقديراته للتضخم في المدى القريب، رغم إشارته لاحتمالية إجراء خفضين للفائدة قبل نهاية العام، قال رئيس الفيدرالي جيروم باول إن البنك “في وضع جيد يسمح له بالانتظار لرؤية الصورة بوضوح”، في ظل تضارب المؤشرات الاقتصادية.
لكن مكلون أبدى شكوكه في هذه التطمينات، قائلًا: “الفيدرالي لا يزال متشددًا في وقت تتدهور فيه المؤشرات الاقتصادية بوضوح. من الخطير أن نظل عند أعلى معدل فائدة منذ 2007 ونتوقع ألا تكون هناك عواقب”.
التصريحات لم تكن وحدها في دائرة الضوء؛ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دخل على خط الأزمة، مهاجمًا باول بشدة، ووصفه بـ”الأبله الحقيقي”، ملوحًا برغبته في تولي منصب رئيس الفيدرالي بنفسه، ودعا إلى خفض حاد للفائدة، معتبرًا أن السياسة الحالية “تكلّف أميركا مليارات”.
الذهب… بطل المرحلة رغم التراجع
ورغم تراجع الذهب من أعلى مستوياته، إلا أن مكلون يرى أن ما يحدث هو “تصحيح صحي”، مؤكدًا أن المعدن الأصفر يواصل لعب دوره كأصل آمن، وأشار إلى أن صموده في وقت تتراجع فيه معظم الأصول الأخرى، هو مؤشر على تراجع الثقة في السياسات النقدية عالميًا.
وأضاف: “ما يفعله الذهب الآن هو إشارة تحذير لما سيحدث لاحقًا في باقي السوق، إنه يرتفع أمام معظم العملات، وهذا غير معتاد”.
كما لفت إلى استمرار البنوك المركزية في شراء الذهب بقوة، حيث كشف تقرير مجلس الذهب العالمي أن الشراء في الربع الأول من 2025 بلغ 290 طنًا، وهو أقوى أداء فصلي على الإطلاق، تقوده الصين والهند وعدة اقتصادات ناشئة تسعى لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.
النفط: خطر مؤقت واتجاه هبوطي
أشار مكلون إلى أن أسعار النفط لا تزال تستفيد من التوترات في الشرق الأوسط، بعد الضربات الإسرائيلية داخل إيران، بجانب الضربات الأمريكية، ومع أن خام غرب تكساس يُتداول قرب 78 دولارًا، حذر مكلون من أن هذه المستويات لا تعكس الواقع طويل الأجل.
وقال: “هذه مستويات جيدة للبيع، أنا قلق من احتمال هبوط الأسعار مجددًا إلى 40 دولارًا أو أقل، في حال دخول الاقتصاد في مرحلة انكماش”.
موجة الهدوء مخادعة
واختتم مكلون تحليله محذرًا من أن الأسواق تتعامل باستهتار مع المخاطر الحقيقية، ورأى أن التركيز الكبير على أسهم الذكاء الاصطناعي والسندات عالية المخاطر، مع غياب التحوط الدفاعي، يعكس غياب الاستعداد للركود المحتمل.
وقال: “نحن في بداية تفكيك فقاعة ضخمة، ما نشهده هو أقوى دورة تشديد نقدي في حياتنا، وتأثيرها لم يظهر بالكامل بعد”.
ورغم كل تلك المخاطر، يبقى الذهب – بحسب مكلون – “الأصل الأفضل أداءً”، مشيرًا إلى أنه يتوقع أن يتفوق الذهب على الأسهم ومعظم السلع الأخرى في الأداء خلال الفترة المقبلة.