تتزايد الضغوط السياسية في ألمانيا وإيطاليا لإعادة جزء كبير من احتياطياتهما من الذهب، البالغة قيمتها السوقية أكثر من 245 مليار دولار، والمخزنة منذ عقود في خزائن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك، هذه الدعوات، التي تشتد وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع الثقة في استقرار النظام المالي العالمي، تعكس توجهًا متزايدًا نحو تعزيز السيادة النقدية وتقليل الاعتماد على المؤسسات الأمريكية.
احتياطات ضخمة خارج الحدود
تعد ألمانيا ثاني أكبر مالك للذهب في العالم بعد الولايات المتحدة، وتبلغ احتياطياتها نحو 3352 طنًا، لا يزال قرابة 37% منها مودعًا في نيويورك، أما إيطاليا، التي تحتل المرتبة الثالثة عالميًا، فتحتفظ بحوالي 2452 طنًا من الذهب، مع وجود أكثر من ثلث هذه الكمية أيضًا في خزائن أمريكية.
مخاوف من تقلبات السياسة الأمريكية
التحركات تأتي في ظل تصاعد قلق بعض صناع القرار في أوروبا من إمكانية استخدام الذهب كسلاح مالي أو ورقة ضغط دبلوماسي، خصوصًا في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما قد يعنيه ذلك من قرارات أحادية قد تمس استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو تؤثر على المعاملات السيادية.
كما يرى بعض المحللين أن الذهب، في ظل المتغيرات الراهنة، لا بد أن يكون في متناول الدول صاحبة الملكية، خصوصًا كأصل ملاذ في حالات الطوارئ أو الأزمات المالية، ولا يجوز الاعتماد فقط على ثقة تاريخية في المؤسسات الأجنبية.
سوابق ألمانية واحتياطات محسوبة
لم تكن هذه المطالب مفاجئة بالكامل، إذ كانت ألمانيا قد شرعت بالفعل بين عامي 2013 و2017 في إعادة 674 طنًا من الذهب من باريس ونيويورك إلى فرانكفورت، وهي عملية كلّفتها آنذاك نحو 7 ملايين يورو، وأكدت من خلالها التزامها بتوزيع أكثر مرونة لاحتياطاتها بين مواقع التخزين الداخلية والخارجية.
ورغم هذه الخطوة، لا يزال البنك المركزي الألماني “بوندسبنك” يتمسك برسالة طمأنة، مؤكدًا ثقته في المؤسسات التي تودَع لديها هذه الاحتياطات، ومشيرًا إلى أن قرار توزيع الذهب يستند إلى اعتبارات السيولة وسهولة الوصول، إلى جانب اعتبارات أمنية.
في المقابل، تلتزم الحكومة الإيطالية الصمت، ولم يصدر عن بنك إيطاليا أو رئاسة الوزراء أي تعليق رسمي بشأن الضغوط المتزايدة لإعادة الذهب من الولايات المتحدة.
حراك شعبي وقلق استراتيجي
في المقابل، تفاعلت منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الاقتصادية مع الموضوع، حيث عبّر العديد من المستخدمين الأوروبيين عن قلقهم مما وصفوه بـ”الاعتماد المفرط” على الولايات المتحدة، وكتب أحد المعلقين: “ستكون ألمانيا حمقاء إذا لم تعِد ذهبها فورًا”، فيما علّق آخر: “الولايات المتحدة يمكن أن تقول ببساطة: لا، وماذا ستفعلون؟”.
تلك التعليقات تعكس مشاعر عميقة بعدم الارتياح تجاه بقاء أصول سيادية بهذا الحجم خارج السيطرة الوطنية، في وقت يشهد فيه النظام الدولي تغيرات متسارعة وتحولات في موازين القوى المالية.
تتحول مسألة الاحتياطيات الذهبية من ملف فني إلى قضية سيادية بامتياز، مع مطالبة برلمانيين وخبراء بعودة الذهب الأوروبي إلى موطنه. وبينما تتشبث البنوك المركزية بنهجها التقليدي القائم على الثقة والمؤسساتية، تعكس الضغوط الشعبية والسياسية المتزايدة تغيرًا واضحًا في المزاج العام تجاه مفهوم السيادة الاقتصادية في عصر اللايقين المالي.