على امتداد عقودٍ طويلة، ظلّت الشراكة بين دي بيرز De Beers وبوتسوانا نموذجًا يُضرَب به المثل: مناجم مشتركة ديبسوانا (Debswana)، عائدات تموّل الخدمات العامة، وآلية تسويق تُحافظ على مكانة الماس البوتسواني في الأسواق العالمية، لكن العامين الماضيين حملا واقعًا مختلفًا: أسعارٌ هابطة، وطلبٌ عالميّ أضعف، وصعودٌ مُربك للألماس المُصنّع معمليًا، ما فتح بابًا لخلافاتٍ اقتصادية وسياسية خرجت إلى العلن.
اقتصاد يعتمد على بريق يخفت
تعتمد بوتسوانا على الماس في نحو ثلاثة أرباع الصادرات وحوالي ثلث الإيرادات العامة؛ ومع تراجعات السوق، انكمش الاقتصاد في 2024 ويُتوقّع مزيدٌ من الضغوط في 2025، الأمر الذي دفع الحكومة لإطلاق صندوق ثروة سيادي جديد لتسريع التنويع وتقليل هشاشة المالية العامة أمام دورات الماس، هذا الضعف البنيوي يُحوِّل أي هبوط سعري إلى قضية سيادية لا تجارية فحسب.
خطابٌ سياسي لهجته أكثر صرامة
في صيف 2025، صعّد الرئيس دوما بوكو لهجته قائلاً إن دي بيرز De Beers “لا تقوم بما يكفي” لحماية أسعار الماس، ولوّح بإمكانية تسويق جزءٍ أكبر من الإنتاج مباشرةً عبر الدولة، بما يعني تحوّلًا في ميزان القوة داخل سلسلة القيمة (من الاستخراج إلى البيع)، هذه التصريحات بعثت إشارةً بأن نموذج التسعير وإدارة المعروض قيد المراجعة من جانب العاصمة جابورون.
صفقة بيع… لكنها بشروط جديدة
صحيح أن الطرفين وقّعا في فبراير 2025 اتفاق مبيعات لعشر سنوات يرفع حصة شركة الدولة ODC من خام ديبسوانا Debswana إلى 30% في أول خمس سنوات ثم 40% في الخمس التالية، مع خيار تمديد إضافي لخمس سنوات يصل فيها التقاسم إلى 50/50؛ لكن الاتفاق تضمّن معايير أداء غير مُعلنة لتمكين التمديد، ما يترك مساحة تفاوضية مفتوحة ويعكس رغبة بوتسوانا في حصةٍ أكبر ودورٍ تسويقي أوسع.
سوقٌ عند نقطة انعطاف
على الضفة الأخرى من السوق، تواجه دي بيرز De Beers ضغطًا مزدوجًا: طلبٌ بارد على الطبيعي وصعودٌ سريعٌ للبديل المعملي، تقديرات الصناعة تُظهر هبوط أسعار الخام بنحو ثلث قيمتها من ذروة 2022 إلى أواخر 2024، فيما تؤكد قراءات استشارية أن طفرة الألماس المعملي خفّضت الأسعار بما يفوق توقعات المُنتجين، ومن ثم فإن النتيجة معادلة ربحية أكثر هشاشة، ومجال مناورة أضيق في صيانة السعر.
استجابة تشغيلية… وتبعاتها الاجتماعية
داخل بوتسوانا، أقدمت ديبسوانا Debswana (المشروع المشترك 50/50) على إبطاء الإنتاج وتعليقٍ مؤقت لبعض المواقع لمجاراة الطلب، مع توجيه لتقليل التكاليف وتأجيل مشروعات رأسمالية محددة، مقابل الحفاظ ، قدر الإمكان، على الوظائف عبر برامج فصلٍ طوعي، هذه القرارات تُخفف الضغط السعري على المدى القصير، لكنها تُقلِّص التدفقات النقدية للدولة وتضغط على سلاسل التوريد المحلية.
تسعيرٌ حساس وخياراتٌ مُحْرِجة
في مايو 2025، كشفت تقارير عن مبيعاتٍ مُخفَّضة السِّعر لعملاء محددين لدى دي بيرز De Beers ، خطوة نادرة توحي بمدى عمق الاختلال في توازن العرض والطلب. بالنسبة لبوتسوانا، مثل هذه التحركات تُترجم فورًا إلى إيراداتٍ حكومية أدنى، ما يُفسّر الحساسية السياسية المتزايدة تجاه سياسات التسويق والتسعير.
لماذا يهمّ هذا التوتر؟
-
سياديًا: كل نقطة مئوية في السعر تعني ملايين الدولارات لموازنة بوتسوانا، بما ينعكس على الإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية.
-
صناعيًا: أي انتقال من بيع الخام إلى قطع وتلميع وتسويق محلي يزيد القيمة المُضافة داخليًا، لكنه يتطلب رأسمال وخبرة ووقتًا، بينما بيئة الفخ luxury تنافسية وشديدة الحساسية للعلامة.
-
سوقيًا: ما لم يتحسّن الطلب النهائي، فإن تقليص المعروض أو إعادة هيكلة قنوات البيع قد يخفف الألم لكنه لا يُغيّر اتجاه الدورة بمفرده، خاصة مع استمرار توسّع قاعدة الألماس المعملي عالميًا.
السيناريوهات إلى الأمام
-
تهدئة مشروطة: يواصل الطرفان تنفيذ اتفاق 2025 مع رفع تدريجي لحصة ODC، مقابل التزامٍ زمني وخطوات لبناء قدرات محلية في القطع والتسويق. هذا السيناريو يحافظ على تدفق التكنولوجيا والخبرة من De Beers ويُخفف الضغط السياسي.
-
تصعيد تفاوضي: إذا استمرت الأسعار منخفضة، قد تدفع جابورون نحو تسويق مباشر أكبر لحصتها، ما يُقلّص سيطرة De Beers على آلية التسعير ويرفع تقلب الإمدادات للمشترين التقليديين.
-
تحوّل هيكلي بطيء: تعميق الاستثمار في سلاسل القيمة داخل بوتسوانا (قطع وصياغةوعلامات) مع الاعتماد على صندوق الثروة الجديد لتمويل التنويع، مع بقاء الشراكة ضرورة عملية خلال سنوات الانتقال.
De Beers وبوتسوانا مرتبطان بمصيرٍ اقتصادي متشابك؛ لكن قواعد اللعبة تغيّرت: زبونٌ نهائي أكثر انتقائية، منافسٌ معمليّ سريع، ودولةٌ لم تعد تكتفي بدور “مُورّد الخام”. المسار الأقرب هو توازنٌ جديد يُزيد نصيب بوتسوانا في القيمة ويُبقي خبرة دي بيرز De Beers في قلب المنظومة — إلى أن يستعيد الطلب العالمي قوته أو تُعاد صياغة سردية الماس الطبيعي في مواجهة البديل المعملي.