لطالما كان الذهب في مصر محل أطماع وجرائم تهريب وغش، ما جعل المضبوطات الناتجة عن القضايا الجمركية أو الجنائية ظاهرة متكررة، غير أن هذه المضبوطات لم تعد مجرد أحراز محفوظة على ذمة التحقيقات، بل تحوّلت إلى أصل اقتصادي يحمل أهمية متزايدة في دعم الخزانة العامة والاحتياطي النقدي.
المصير القانوني للمضبوطات
وفقًا للقانون فإن مصلحة الدمغة والموازيين تختصُ بالمُراقبة علي المعادن الثمينة المطروحة بالأسواق المحلية والمُصدرة أو المُستوردة من الخارج، بالإضافة إلي فحصِ وتثمينِ المعادن الثمينة المضبُوطة على ذمةِ قضايا مُتداولة في أروقةِ القضاء، سواء كانت سبائك أو مشغولات ذهبية والتي ترد من أقسام الشرطة، بُناءً على أمر النيابة العامة أو تنفيذًا لحُكم قضائي.
وفقًا للقانون المصري، لا تتم المصادرة إلا بحكم قضائي نهائي، وخلال فترة التحقيق، يتم التحفظ على المشغولات أو السبائك في مخازن خاصة تحت إشراف مصلحة الدمغة والموازين بالتنسيق مع الجمارك، ومن ثم تفحص ويحدد عيارها، لحين الفصل القضائي.
أما مضبُوطات الذهب ،التي يُتحفظ عليها من قِبل مُفتيشي مصلحة الدمغة والموازيين ومباحث التموين، خلال حملات التفتيش والرقابة علي ورش ومحلات الذهب لضبط الأسواق ومحاربة إنتشار ظاهرة غش الذهب، فتنص الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات، على أنه ”من غش أو شرع فى أن يغش أشياء تضر بالإنسان ومصالحه أو طرحها للبيع أوعلم بغشها، تكون مصادرة الأشياء المضبُوطة وجوبية “، إلا أن الشارع استثني من ذلك المشغولات الذهبية أو الفضية .
حيث تنص المادتين 22 و 24 من القانون رقم 126 لسنة 1946 على أن الشارع لم يُقرر مُصادرة المشغولات الذهبية أو الفضية غير المدمُوغة أو مدموغة بدمغة مزيفة، بل قرر بشأنها نظامًا استثنئيًا من مقتضاه حفظها على ذمة الدعوى لحين صُدر حُكم نهائى بشأنها، وإما أن يُقرر حق إستردادها بعد دمغها إذا ثبت أنها من أحد العيارات القانونية، أو كسرها و إستيفاء الرسوم والمصاريف المستحقة إن لم تكن كذلك.
فمن مقتضي الضبطية القضائية لمفتيشي المصلحة، يحق لهم التحفظ علي المشغولات الذهبية الغير مُطابقة للمواصفات، وتحرير محاضر لتُجار الذهب المُخالفين، ومن ثم فحص المضبُوطات وإعداد تقرير فني للنيابة العامة، يُصدر بناءً عليه أحكام تقضي بإعادة دمغ الذهب إذا كان سليمة العيار أو تكسيره وتسليمه إلى صاحبه إذا كان مزيف الدمغة والعيار، مع تنفيذ العقوبات التي أقرها القانون بالحبس والغرامة المالية.
بعد صدور الأحكام، يمكن أن تسلك المضبوطات أكثر من مسار:
-
المزادات العلنية: حيث يتم بيع المشغولات الذهبية بعد حصرها وتقدير قيمتها، وتؤول حصيلة البيع إلى الخزانة العامة للدولة، وقد تجاوزت قيمة بعض المزادات في السنوات الأخيرة 500 مليون جنيه، وفق مصادر رسمية.
-
إضافتها للاحتياطي النقدي: كما حدث مؤخرًا عندما أعلنت النيابة العامة عن تسليم 200 كجم سبائك ذهبية مضبوطة إلى البنك المركزي المصري، في خطوة غير مسبوقة تهدف لتعزيز الاحتياطي من الذهب.
البُعد الاقتصادي
تكتسب هذه المضبوطات أهمية خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة:
-
تنويع الأصول: إدخال الذهب المضبوط إلى احتياطي البنك المركزي يقلل من اعتماد مصر على الدولار فقط.
-
دعم السيولة العامة: حصيلة المزادات ترفد الخزانة بأموال مباشرة تُستخدم في تغطية عجز الموازنة أو تمويل الإنفاق العام.
-
طمأنة الأسواق: تحويل “الأحراز القضائية” إلى رصيد استراتيجي يعكس قدرة الدولة على إدارة مواردها غير التقليدية بفاعلية.
انعكاسات على سوق الذهب المحلي
رغم الفوائد الاقتصادية، فإن هذه السياسة تترك أثرًا على السوق:
-
شح المعروض: سحب الذهب المضبوط من التداول التجاري يقلل من السيولة المتاحة لدى التجار، ما يساهم في فجوة بين الأسعار العالمية والمحلية.
-
مكاسب للتجار الكبار: في المقابل، استفاد بعض كبار التجار من شراء هذه المضبوطات عبر المزادات بأسعار مناسبة، ما سمح لهم بإعادة تدويرها في السوق.
-
حماية المستهلك: الإجراءات الرقابية التي ترافق عمليات الفحص والدمغ تحد من انتشار الذهب المغشوش وتدعم ثقة المستهلك.
بين المزاد والاحتياطي
توضح التجربة أن مصير المضبوطات لم يعد محصورًا في سيناريو واحد، فبينما تستمر المزادات كآلية تقليدية لتسييل الذهب المضبوط، يفتح تسليم السبائك للبنك المركزي مسارًا جديدًا أكثر استراتيجية، يجعل من هذه المضبوطات عنصرًا مؤثرًا في السياسة النقدية.
مضبوطات الذهب في مصر لم تعد هامشًا قانونيًا أو مخزونات راكدة، بل أصبحت موردًا اقتصاديًا مهمًا، سواء عبر المزادات التي تضخ مئات الملايين في الخزانة العامة، أو عبر إضافتها للاحتياطي النقدي لدعم قوة الجنيه واستقرار السوق، فإن هذه المضبوطات تعكس تحولًا في الفكر الاقتصادي للدولة: من إدارة الملفات القضائية إلى تسخيرها كأداة لدعم الاستقرار المالي والاقتصادي.