بعد أن تجاوز سعر الذهب حاجز 4300 دولار للأوقية للمرة الأولى في تاريخه، تحوّلت الأنظار في الأسواق العالمية نحو سلسلة المتاجر الأمريكية العملاقة «كوسكو» (Costco)، التي باتت خلال العامين الأخيرين مؤشراً غير رسمي على قوة الطلب الشعبي على المعدن النفيس.
مبيعات قياسية… والمعروض يُباع في ساعات
وفق تقارير نشرها موقعي CNBC وBusiness Insider، بلغت مبيعات الذهب والفضة في متاجر كوسكو نحو 200 مليون دولار شهرياً خلال عام 2024، بحسب تقديرات بنك Wells Fargo، بينما أكد المدير المالي السابق للشركة ريتشارد جالانتي (Richard Galanti) أن كل الكميات المعروضة من السبائك كانت تُباع بالكامل خلال ساعات قليلة من طرحها على الموقع الإلكتروني أو في المتاجر.
وتُباع هذه السبائك الذهبية عادة بوزن 31.10 جرام وتحمل أختامًا من دور صكّ عالمية مثل PAMP Suisse وRand Refinery.
وبحسب التقارير، فإن المشترين من فئة المستهلكين العاديين وليس المستثمرين الكبار، وهو ما يجعل الظاهرة لافتة من حيث اتساع قاعدة الطلب الشعبي المباشر على الذهب.
الذهب… من أصل استثماري إلى وسيلة ادخار جماهيري
يرى محللون أن هذه الظاهرة تعبّر عن تحول في السلوك المالي للأسر الأمريكية، إذ بات الذهب يُشترى بدافع الحماية من التضخم وتراجع الثقة في الدولار، وليس فقط كاستثمار طويل الأجل.
ففي الوقت الذي تعبّر فيه مشتريات البنوك المركزية وصناديق الاستثمار عن الطلب المؤسسي، تُجسّد ظاهرة كوسكو وجهًا اجتماعيًا جديدًا للطلب على المعدن الأصفر.
ويقول تقرير Business Insider إن بعض عملاء المتجر أفادوا بأنهم يجدون صعوبة في إعادة بيع السبائك بسبب الإقبال الكبير الذي يفوق المعروض، ما يعكس أن الشراء يتم في الأساس بدافع الاحتفاظ الشخصي طويل الأجل وليس للمضاربة أو التداول السريع.
موجة عالمية تعكس «مزاج الشعوب»
عودة الطوابير أمام متاجر الذهب في اليابان وأستراليا، وتزايد الطلب من الأفراد في الصين والهند، يتزامنان مع ظاهرة كوسكو، ما يجعلها انعكاسًا لقلق عالمي مشترك.
فالمستهلك العادي في الاقتصادات الكبرى يتصرف اليوم بذات السلوك الدفاعي: تحويل المدخرات إلى ذهب تحوّطًا من تآكل القوة الشرائية وتزايد المخاطر الجيوسياسية.
ويقول محللون من CNBC إن رواج مبيعات الذهب في كوسكو يعكس ما يسمّونه “مؤشر الثقة الشعبية في الدولار”، إذ كلما ازداد الإقبال على شراء السبائك الصغيرة، دلّ ذلك على تراجع الثقة في العملة الورقية والأسواق التقليدية.
قراءة في الاتجاه العام
يُجمع الخبراء على أن ظاهرة كوسكو لم تعد حدثاً تسويقيًا أو سلوكًا استهلاكيًا عابرًا، بل مؤشرًا اقتصاديًا على تصاعد الخوف المالي بين الأفراد، فحين تُباع كميات ضخمة من الذهب في متاجر التجزئة، فهذا يعني أن “الادخار المادي” عاد ليحل محل الأدوات المالية الافتراضية.
ويشير محلل في بنك Wells Fargo إلى أن مبيعات الذهب في كوسكو أصبحت «أداة لرصد المزاج المالي الشعبي»، مضيفًا أن أي تباطؤ في تلك المبيعات قد يُعد إشارة مبكرة لتراجع الطلب العام على الأصول الآمنة، والعكس صحيح.
من اليابان إلى أستراليا وصولًا إلى الولايات المتحدة، تؤكد مؤشرات الأسواق أن «حمّى الذهب» لم تعد مرتبطة فقط بالمؤسسات المالية، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية عالمية، ومع تجاوز الأسعار مستويات غير مسبوقة، تعكس متاجر كوسكو اليوم قلق الشعوب من المستقبل المالي أكثر مما تعكس نشاطًا استهلاكيًا عاديًا.
فالذهب بالنسبة للكثيرين لم يعد مجرد سلعة أو زينة، بل أصبح — كما يقول أحد محللي CNBC — “عملة الثقة الأخيرة في عالمٍ يهتزّ بالديون والتضخم والاضطرابات السياسية.”