أكد الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار أن أسعار الذهب العالمية لم تصل إلى ذروتها بعد، مشيرًا إلى أن البيانات الأخيرة الصادرة عن مجلس الذهب العالمي تكشف عن تدفقات استثمارية غير مسبوقة في صناديق الذهب المتداولة وعقود المبادلات العينية، ما يعكس استمرار شهية المستثمرين نحو المعدن الأصفر كملاذ آمن وسط الاضطرابات الاقتصادية والسياسية العالمية.
تدفقات قياسية في الربع الثالث
وأوضح نوار أن الربع الثالث من العام الجاري شهد قفزة تاريخية في حجم تداول الذهب، إذ قفزت متوسط قيمة المعاملات إلى نحو 388 مليار دولار، بينما سجلت عقود المبادلات العينية — التي يُنقل فيها الذهب الفعلي من يد إلى أخرى — رقمًا قياسيًا بلغ 26 مليار دولار.
وأضاف أن المستثمرين في أمريكا الشمالية استحوذوا على النصيب الأكبر من هذه التعاملات بقيمة 16 مليار دولار، في حين جاءت أوروبا في المركز الثاني بإجمالي 8.2 مليار دولار، وهو ثاني أعلى رقم تسجله القارة الأوروبية في تاريخها الاستثماري بالذهب، بينما حلت الأسواق الآسيوية في المركز الثالث بقيمة 1.7 مليار دولار فقط، لتُظهر البيانات أن محركات السوق باتت غربية أكثر من آسيوية خلال الفترة الأخيرة.
حيازة الذهب ترتفع.. والمستوى التاريخي يقترب
وأشار نوار إلى أن إجمالي قيمة عقود مبادلات الذهب العيني ارتفع إلى 472 مليار دولار بنهاية الربع الثالث، بزيادة ربع سنوية بلغت 23%، كما ارتفعت كميات الذهب المتداولة إلى 3838 طنًا، بنسبة نمو 6% عن الربع الثاني.
ورغم هذا النشاط القوي، ما تزال الكميات دون المستوى القياسي التاريخي المسجل في نوفمبر 2020 (3929 طنًا)، ما يعني — بحسب نوار — أن السوق العالمي لم يبلغ بعد ذروة نشاطه التاريخية، وأن هناك مساحة إضافية لمزيد من الصعود في الأشهر المقبلة.
أمريكا الشمالية تقود المشهد العالمي
وكشف نوار أن شهر سبتمبر الماضي وحده شهد تدفقات ضخمة بلغت 10.6 مليار دولار إلى صناديق الذهب المتداولة، لتسجّل رقمًا قياسيًا للشهر الرابع على التوالي.
وعزا هذه الزيادة القوية إلى ثلاثة عوامل رئيسية في الولايات المتحدة:
-
ضعف الدولار الأمريكي نتيجة استمرار الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
-
الأزمة المالية والسياسية داخل الكونجرس التي أدت إلى توقف الإنفاق الحكومي والإغلاق الفيدرالي.
-
تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية وتوقعات الأسواق بمزيد من خفض أسعار الفائدة في الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن هذه العوامل أدت إلى تزايد الثقة النفسية للمستثمرين في الذهب، ودفعته لتحقيق ارتفاعات متتالية خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، مؤكداً أن السلوك الاستثماري في أمريكا الشمالية أصبح المحرك الأساسي لأسعار الذهب العالمية.
دور محدود للبنوك المركزية
وحول دور البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، أوضح نوار أن عمليات تنويع الاحتياطي النقدي وشراء الذهب مقابل بيع الدولار ما تزال مستمرة، لكنها ليست السبب الرئيسي وراء الطفرة الأخيرة في الأسعار.
وأكد أن الطلب الاستثماري الخاص والمؤسسي هو المحرك الأبرز في الوقت الراهن، وهو ما يعكس — بحسب تعبيره — تحولًا استراتيجيًا في سلوك رؤوس الأموال نحو الأصول الحقيقية بعيدًا عن الأدوات المالية التقليدية.
نوار: الذهب لم يبلغ ذروته بعد
وقال إبراهيم نوار:«المعطيات الحالية تشير بوضوح إلى أن الذهب لم يصل بعد إلى قمته، فالعوامل التي تحرك الأسعار — من اضطراب السياسة النقدية الأمريكية، وضعف الدولار، وازدياد العجز المالي — لم تُستنفد بعد، بل ربما تتفاقم خلال الشهور القادمة».
وأضاف أن الأسواق العالمية تشهد تحولًا هيكليًا في الاتجاهات الاستثمارية، وأن رؤوس الأموال تبحث عن مخزن للقيمة طويل الأجل وسط حالة عدم اليقين التي تخيم على الاقتصاد العالمي.
وتابع قائلًا:«الوضع الحالي يُشبه ما حدث في مطلع العقد الماضي عندما تجاوز الذهب كل التوقعات وصعد إلى مستويات تاريخية. الفارق اليوم أن الضغوط المالية والنقدية أكثر تعقيدًا، ما يجعل احتمالات استمرار الموجة الصاعدة أكبر».
المستقبل مفتوح أمام الذهب
وختم نوار تصريحه بالتأكيد على أن الموجة الحالية ليست فقاعة مضاربية، بل هي تحول في النظام المالي العالمي، يعكس فقدان الثقة بالأصول الورقية التقليدية.
وقال:«طالما استمرت البنوك المركزية في خفض الفائدة، وتعمّقت أزمات الديون الحكومية، فإن الذهب سيظل الوجهة الأكثر أمانًا للمستثمرين. نحن أمام مرحلة جديدة من تاريخ سوق الذهب، وما زلنا في منتصف الطريق نحو الذروة».