رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وتبادل الضربات بين الكيان المحتل وإيران، حافظ الذهب على هدوئه النسبي، متشبثًا بمستويات دون 3400 دولار للأوقية، في تجاهل غير مألوف لما كان يُنتظر من “ملاذ الأزمات”.
في مشهد يعج بالتطورات الخطيرة، استهدفت ضربات الكيان المحتل وأمريكية منشآت نووية إيرانية، بينها مفاعل “فوردو” عالي التحصين، وردّت إيران بما وُصف بأنه هجمات قرب مفاعل ديمونا النووي في النقب، ورغم الضجيج السياسي والعسكري، لم تظهر الأسواق أي ردّة فعل، فأسعار الذهب تحركت من 3250 إلى 3450 دولارًا، لكنها لم تحقق الطفرة المتوقعة.
ردع وليس حرب
الأسواق لم تتلقَّ ما حدث كإعلان حرب شاملة، بل قرأته في إطار “ردع متبادل” محدود الأثر، الضربة – رغم خطورتها – لم تحمل مؤشرات على توسّع التصعيد أو تهديد البنية الاقتصادية العالمية، ما أفقد الذهب مبرر الصعود الحاد.
توجهت أنظار المستثمرين إلى أسواق الطاقة، حيث خطف النفط الأضواء باعتباره الأصل الأكثر حساسية للمخاطر الجيوسياسية، في المقابل، وجد الذهب نفسه في منافسة مع أصول أكثر سيولة كالدولار، والفرنك السويسري، والين الياباني، وهي أصول توفر مخارج أسرع في بيئة مالية مشددة.
الذهب كان قد استبق التصعيد بصعود تدريجي بفعل التوترات المتراكمة، ما يعني أن الضربة العسكرية لم تُحدث صدمة مفاجئة، الأسواق طبقت قاعدة “Sell the news” التقليدية: اشترِ على الإشاعة وبِع عند وقوع الحدث.
الفائدة الأمريكية.. خصم الذهب الحقيقي
تنفيذ الرسوم الجمركية الأمريكية فجّر موجة تضخم جديدة داخل الولايات المتحدة، قلّصت من احتمالات خفض الفائدة قريبًا، ومع استمرار تشديد السياسة النقدية، يفقد الذهب جاذبيته لصالح أدوات الدين ذات العوائد المرتفعة، كالسندات الأمريكية.
غياب الهلع العالمي
قفزات الذهب التاريخية كانت دائمًا مرتبطة بحالات هلع مالي عالمي، كما في أزمة كورونا 2020، والأزمة المالية 2008، وغزو أوكرانيا في 2022، أما ضربة فوردو، فرغم رمزيتها النووية، ظلت إقليمية ومحدودة، ولم تضرب خطوط الإمداد أو تشل الاقتصاد العالمي.
تنسيق في الظل
تسريبات عن تنسيق غير معلن بين القوى الكبرى ساهمت في تهدئة المخاوف، إذ بدا أن الجميع يسير نحو احتواء التصعيد لا تفجيره. وهذا بدوره ساهم في تبريد أعصاب الأسواق وتهدئة “غريزة اللجوء إلى الذهب”.
متى يقفز الذهب؟
السيناريو الأكثر احتمالاً لانفجار الذهب صعودًا يتمثل في إغلاق مضيق هرمز وتهديد الملاحة الدولية، أو اندلاع مواجهة أمريكية–إيرانية شاملة تطال قواعد استراتيجية في الخليج، حينها فقط، قد يعود “الملاذ الآمن” إلى الواجهة بقوة، ويستعيد بريقه كحامي الثروات، لكن حتى إشعار آخر، يبدو أن الذهب سيواصل هدوءه، مترقبًا شرارة أكبر، تُشعل شرارة الصعود الحقيقي.