كتب: وليد فاروق
بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري، ارتفع حجم الذهب المدرج في الاحتياطيات خلال شهر يوليو 2025 بنحو 1768 أوقية، ليصل إجمالي الاحتياطي الذهبي إلى حوالي 4.134 مليون أوقية، ما يعادل 128.6 طنًا تقريبًا.
وبهذا يكون المركزي قد أضاف ما يقارب 55 ألف أوقية، نحو 1.7 طن، منذ بداية العام، من حيث القيمة الدولارية، ارتفعت قيمة الذهب ضمن الاحتياطي إلى 13.639 مليار دولار بنهاية يوليو مقابل 13.586 مليار دولار بنهاية يونيو، أي بزيادة شهرية حوالي 0.4%، هذه الزيادة الطفيفة تعكس كلًا من شراء كميات إضافية من الذهب وكذلك ارتفاع تقييم الذهب نتيجة صعود الأسعار العالمية خلال الفترة الأخيرة.
مقارنة بمستويات السنوات السابقة
يشهد احتياطي الذهب لدى البنك المركزي اتجاهًا تصاعديًا في السنوات الأخيرة، سواء من حيث الحجم أو القيمة، فيما يلي أبرز محطات التغيير في حجم الذهب الاحتياطي:
-
2016: حوالي 75.6 طن – كان ذلك أدنى مستوى خلال العقد الماضي، وظلت الاحتياطيات الذهبية مستقرة نسبيًا حول هذا الرقم حتى 2017.
-
نهاية 2021: نحو 80 طنًا – ارتفاع طفيف إجمالًا (أضاف المركزي 5.1 طن فقط ما بين 2017 و2021)
-
عام 2022: قفز الاحتياطي إلى حوالي 125 طنًا بنهاية العام بعد مشتريات قياسية بلغت 44.4 طن خلال ذلك العام وحده، ما جعل مصر تدخل قائمة أكبر 5 مشترين للذهب عالميًا في 2022، رفعت هذه القفزة حصة الذهب من حوالي 11.8% إلى 22.9% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لمصر,
-
نهاية 2024: حوالى 126.9 طن – استمرار النمو بوتيرة أبطأ؛ زاد الاحتياطي بنحو 1.6 طن إضافية خلال 2023، ليصل إلى أعلى مستوى تاريخي آنذاك.
-
منتصف 2025: حوالي 128.6 طن – المستوى القياسي الحالي الذي يمثّل أكبر كمية ذهب امتلكها المركزي المصري في تاريخه، بذلك تحتل مصر المركز الثالث إفريقيًا من حيث حجم الذهب الاحتياطي (بعد كل من الجزائر وليبيا)، مما يعكس استراتيجية مستمرة لتعزيز هذا الأصل ضمن مكونات الاحتياطي.
أثر التراكم على السياسة النقدية واستقرار العملة
يعكس توجه البنك المركزي نحو زيادة حيازة الذهب نهجًا استراتيجيًا لدعم السياسة النقدية وتعزيز الثقة في الاقتصاد، فالذهب يُعد أصلًا احتياطيًا عالميًا خالٍ من المخاطر الائتمانية ويتمتع بقبول دولي، ما يجعله ملاذًا آمنًا في أوقات التقلبات، وقد أظهرت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي أن عددًا من الاقتصادات الناشئة تنتهج سياسة نشطة لزيادة نسبة الذهب في احتياطياتها بهدف التنويع والتحوّط في مواجهة المخاطر، بالنسبة لمصر، جاءت الزيادة الكبيرة في الذهب خلال 2022 في ظل خفضٍ متتالي لقيمة الجنيه وارتفاع معدل التضخم، مما كشف عن هشاشة نسبية في المركز الخارجي، لذا سعى البنك المركزي لتعزيز غطاء الاحتياطي عبر الذهب، الأمر الذي رفع نسبة الذهب في الاحتياطيات إلى نحو الربع بنهاية ذلك العام.
هذا المستوى المرتفع يعني أن جزءًا معتبرًا من أصول البلاد الاحتياطية بات مناعًا للتقلبات في أسعار الصرف الدولية، فالذهب يحتفظ بقيمة حقيقية على المدى الطويل وبخاصة أثناء الاضطرابات؛ وقد لوحظ أنه منذ بداية 2025 ارتفع سعر الذهب عالميًا بأكثر من 21% بالتوازي مع تراجع الدولار الأمريكي بنحو 10%، مما يبرز دور المعدن النفيس في موازنة تقلبات العملات وبشكل عام، تؤدي زيادة وزن الذهب في الاحتياطيات إلى تعزيز متانة المركز الخارجي للبلاد، حيث يصبح لدى صانعي السياسة النقدية أصول أكثر تنوعًا يمكن الاستناد إليها في أوقات الشدة.
الذهب كأصل احتياطي يمنح البنك المركزي مرونة إضافية – فيمكن استخدامه كضمان للاقتراض أو حتى بيعه بشكل مدروس لتوفير السيولة الأجنبية إذا دعت الحاجة – مع العلم أن التوجه العام هو الاحتفاظ به كغطاء استراتيجي طويل الأجل، وتؤكد التقارير الدولية أن حيازة الذهب لدى البنوك المركزية تُعد عاملًا مهمًا لتدعيم الثقة في العملة المحلية وفي قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.
تأثيرات على سوق الذهب المحلي
على الصعيد المحلي، يلعب تراكم الذهب الرسمي دورًا غير مباشر في سوق الذهب المصرية، فقد شهدت السوق المحلية خلال العامين الماضيين إقبالًا كبيرًا من الأفراد على شراء الذهب للتحوّط من التضخم وانخفاض العملة، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في الأسعار المحلّية للذهب، وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفع الطلب على السبائك والعملات الذهبية في مصر بحوالي 83% خلال عام 2022 مقارنة بالعام السابق، مدفوعًا بحالة عدم اليقين الاقتصادي وضعف الجنيه، هذا الإقبال الشعبي الكبير، إلى جانب نقص المعروض نتيجة شح الدولار آنذاك، تسبب في اضطرابات بالسوق وفجوة بين سعر الذهب المحلي والعالمي، وقد تدخّلت الحكومة عبر إعفاء واردات الذهب من الرسوم الجمركية لفترة مؤقتة بهدف تهدئة السوق وكبح جماح الأسعار، ما نجح في زيادة المعروض واستقرار السعر المحلي إلى حدٍّ ما.
في ظل هذا الواقع، تأتي مشتريات البنك المركزي من الذهب متّسقة مع شهية السوق المحلية للمعدن النفيس، وإن كانت تتم بحجم أكبر وعلى مستوى إستراتيجي، فقيام الدولة بزيادة احتياطياتها من الذهب يبعث بإشارة ثقة للمستثمرين المحليين بأن الذهب أصل جدير بالاحتفاظ، ويعزّز الترابط بين السوق المحلية والأسعار العالمية.
الجدير بالذكر أن حجم مشتريات المركزي الشهرية يظل محدودًا (حوالي 55 كيلوجرامًا في يوليو)، وبالتالي فإن تأثيره المباشر على توازن العرض والطلب في السوق المحلية لا يزال طفيفًا، الدور الأهم لهذا التراكم الرسمي هو دعم الاستقرار المالي العام الذي ينعكس إيجابًا على مناخ الاستثمار ككل – بما في ذلك سوق الذهب، فوجود مخزون ذهبي قوي لدى الدولة يطمئن حائزي المعدن محليًا بأن السياسات النقدية والمالية تولي أهمية لقيمة الذهب ضمن مزيج الأصول الوطنية، مما قد يُرسّخ توقعات إيجابية بشأن استقرار العملة واستقرار أسعار الذهب في السوق المحلية على المدى الطويل.
انعكاسات على سوق الذهب الدولي
على المستوى الدولي، ينسجم تعزيز مصر لاحتياطياتها الذهبية مع اتجاه عالمي متصاعد تبنّته البنوك المركزية في السنوات الأخيرة، فمنذ الأزمة المالية العالمية في 2008 أخذت المصارف المركزية – خصوصًا في الأسواق الناشئة – تزيد من مشترياتها من الذهب بشكل ملحوظ، وقد سجّل العامان 2022 و2023 أعلى معدلات تاريخية لشراء الذهب من قبل البنوك المركزية عالميًا، بأكثر من 1000 طن سنويًا في كل منهما، يأتي ذلك مدفوعًا بمزيج من التوترات الجيوسياسية والرغبة في التنويع بعيدًا عن الدولار الأمريكي؛ إذ لا يزال الطلب على الذهب بين البنوك المركزية قويًا بشكل استثنائي، مدفوعًا بالتحوّط من عدم الاستقرار السياسي والحروب التجارية في ظل موجات الرسوم والقيود العالمية.
وفي النصف الأول من عام 2025 وحده بلغ صافي مشتريات البنوك المركزية حول العالم حوالي 415 طنًا من الذهب – ورغم أن هذا المستوى أقل بحوالي 21% من كمية الشراء في النصف الأول من 2024 (525 طنًا)، فإنه يظل قويًا بفارق كبير عن المتوسط التاريخي للسنوات السابقة، هذا الطلب المركزي المتواصل كان أحد العوامل التي دفعت أسعار الذهب العالمية إلى الارتفاع نحو مستويات غير مسبوقة خلال العام الحالي، فقد وصلت الأسعار في 2025 إلى قمم جديدة لامست 3500 دولارًا للأوقية في 22 أبريل الماضي، في ظل إقبال واسع من المستثمرين والمؤسسات على المعدن كملاذ آمن، ورغم أن ارتفاع الأسعار القياسية حدَّ نسبيًا من وتيرة الشراء الفصلي لدى بعض البنوك المركزية (بفعل ارتفاع تكلفة إضافة المزيد من الذهب)، إلا أن استمرار هذه البنوك – ومن ضمنها مصر – في زيادة حيازاتها رغم غلاء المعدن يؤكد استمرار مواقفها الإيجابية تجاه الذهب كأصل إستراتيجي وسط حالة عدم اليقين العالمي.
وبالنسبة للسوق العالمي، فإن مشتريات البنوك المركزية الكبيرة تسهم في خلق دعم مستدام للأسعار؛ فالبنوك المركزية جماعيًا أصبحت مشتريًا صافيًا رئيسيًا للذهب للعام الثاني عشر على التوالي، مما يرسّخ الاتجاه الصاعد للطلب.
يؤكد تراكم الذهب لدى مصر وغيرها من الدول ربأن الذهب استعاد مكانته المحورية في إستراتيجيات الاحتياطيات الرسمية، وأنه بات يلعب دورًا مكملًا للدولار في تعزيز الاستقرار النقدي العالمي.