على مدار الأسابيع الماضية تراجع سعر الدولار في السوق الرسمية المصرية إلى نطاق يدور حول 48.4–48.5 جنيهًا للدولار، وهو مستوى تؤكده شاشة البنك المركزي المصري ليوم 19 أغسطس 2025، هذا التحرك يعكس جانبين معًا: تحسنًا فعليًا في موارد النقد الأجنبي وإدارة نقدية عززت السيولة عبر عوائد مرتفعة جذبت استثمارات المحافظ “الأموال الساخنة” بعبارة أخرى: الهبوط ليس مصطنعًا، لكنه غير مضمون الاستدامة إن لم تتواصل الزيادات الهيكلية في الحصيلة الدولارية.
لماذا هبوط الدولار حقيقي؟
صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي تحسّن بصورة لافتة هذا الربيع مع استكمال مراجعة من صندوق النقد، وقفز في مارس ثم استقر قريبًا من تلك المستويات في مايو عند 14.7 مليار دولار بحسب بيانات رسمية، قبل أن تُظهر قراءات يونيو استمرار التحسن إلى نحو 14.94 مليار وفقًا لبيانات البنك المركزي، ما يعني وجود ارتفاع الحصيلة الدولارية بالبنك المركزي بعد عجز خلال السنوات الماضية.
كما تعافت بقوة تحويلات المصريين بالخارج بقوة بعد انتظام سعر الصرف وانكماش الفجوة مع الموازي؛ البنك المركزي أعلن قفزة قياسية إلى 3.4 مليارات دولار في مايو وارتفاعًا تراكميا إلى نحو 32.8 مليار دولار خلال يوليو–مايو من العام المالي 2024/2025. هذه «دولارات حقيقية» تدخل القنوات الرسمية وتغذي المعروض.
السياحة عادت إلى مسار نمو؛ تقديرات حديثة تشير إلى إيرادات 14.1 مليار دولار في 2024 مع توقعات نمو إضافي خلال 2025، ما يساند الميزان الخارجي حتى مع بقاء بعض تحديات السلامة والبيئة في البحر الأحمر.
أين يظهر «الدعم المُدار» للسعر؟
عقب التعويم الكبير في مارس 2024 ورفع الفائدة القوي، عاد مستثمرو المحافظ الأجنبية لشراء أذون الخزانة بقوة؛ على سبيل المثال، شهدت أذون العام عائدًا متوسطًا 32.3% في مزاد 7 مارس 2024 مع تغطية مرتفعة، وهو نمط استمر بدرجات متفاوتة خلال 2024–2025، وهذه التدفقات سريعة الحساسية لأسعار الفائدة والمخاطر العالمية، فتضغط السعر هبوطًا عند الدخول وقد تعكس اتجاهه عند الخروج، وفقًا لرويترز.
السياسة النقدية لا تزال مشددة (معدل الإقراض لليلة عند 25% في يوليو حسب استطلاع رويترز)، ما يحافظ على جاذبية العائد ويُسند الجنيه على المدى القصير، لكنه يترك السعر عرضة للتقلب إذا تبدلت ظروف العائد العالمي أو الرغبة في المخاطرة.
العوامل الكلية.. رياح معاكسة ومؤيدة معًا
لا تزال قناة السويس، تضغط على الحصيلة الدولارية بعد تحويل مسارات الشحن منذ أواخر 2023؛ الإيرادات في العام المالي 2023/2024 هبطت إلى 7.2 مليارات دولار من 9.4 مليارات قبل عام، مع خسائر شهرية قُدِّرت بنحو 800 مليون دولار في مطلع 2025 بسبب اضطرابات البحر الأحمر. هذا نزيفٌ قابل للتخفيف تدريجيًا لكنه لم ينتهِ بعد.
في حين أكد صندوق النقد أن تقليص دور الدولة وتكافؤ المنافسة في الاقتصاد المصري يحتاج وقتًا إضافيًا، والحكومة تتوقع استكمال المراجعتين الخامسة والسادسة معًا بحلول أكتوبر، ما يعني أن أي تعثر قد يغيّر اتجاه تدفقات المحافظ ويضغط على سعر الصرف.
هل الانخفاض «حقيقي» أم «مُدار»؟
هو مزيج: تحسّنٌ فعلي في مصادر الدولار (تحويلات وسياحة وتعافي صافي الأصول الأجنبية) مدعوم بعوائد مرتفعة جذبت أموالًا حساسة.
هل الاعتماد على الأموال الساخنة قد يصنع «كارثة» تقفز بالدولار فوق 50؟
الخطر قائم إذا تزامن خروج محافظ مع تأخر في مراجعات الصندوق أو صدمات جديدة لقناة السويس/التجارة العالمية. لكن السيناريو الأساسي ما دام التحسن مستمرًا في التحويلات والسياحة وتم تمرير مراجعات الصندوق في الخريف، يرجّح تحركًا متذبذبًا حول المستويات الراهنة مع ضعف تدريجي لاحق—not قفزة عنيفة—وفق مسار توقعات استطلاعات الاقتصاد الأخيرة.