واصلت أسعار الذهب العالمية صعودها القوي لتقترب من مستوى 3800 دولار للأوقية، في ظل موجة صعود تاريخية دفعت المعدن النفيس إلى منطقة “تشبّع شرائي” غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، لكن محللين يرون أن الزخم الحالي لا يزال كافيًا لدفع الأسعار نحو الهدف النفسي البالغ 4000 دولار.
وقال مايك مكلون، كبير استراتيجيي السلع في بلومبرج إنتليجنس، في مذكرة بحثية، إن مؤشرات الزخم الفني تُظهر أن الذهب في منطقة ارتفاع مفرط (Overbought)، لكن مراكز المضاربة في السوق لم تصل بعد إلى مستويات الخطر، ما يعني أن السوق لم يبلغ مرحلة الفقاعة بعد.
وأوضح مكلون، استنادًا إلى بيانات لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية (CFTC)، أن صافي المراكز الشرائية للمستثمرين في عقود الذهب الآجلة يبلغ حاليًا نحو 16 مليون أونصة، أي أقل بكثير من الذروة المسجلة العام الماضي عند 25.5 مليون أونصة، ما يعكس أن الزخم لا يزال قائمًا دون تضخم مفرط في المراكز المالية.
وفي الوقت نفسه، شهدت صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs) انتعاشًا واضحًا، إذ سجّل صندوق SPDR Gold Shares (GLD)، وهو الأكبر عالميًا، أكبر تدفقات يومية في تاريخه بأكثر من 18 طنًا الأسبوع الماضي، لتصل حيازاته لأعلى مستوى في ثلاث سنوات، رغم أنها لا تزال أقل من ذروتها التاريخية في عام 2020.
وأضاف مكلون:”أسعار الذهب ترتفع بقوة، لكن مراكز العقود وصناديق الاستثمار ما زالت دون مستويات التشبّع التي تُثير عادةً مخاطر التصحيح، وهذا يشير إلى أن السوق يملك مساحة إضافية للصعود.”
وأشار إلى أن الذهب ارتفع بنسبة 320% منذ عام 2008، بينما نمت حيازات صناديق الاستثمار بنحو 150% فقط، وهو ما يعكس أن الارتفاع الحالي يعتمد على أساسيات سوقية قوية وليس مجرد تدفقات استثمارية مضاربية.
محفّزات جديدة مطلوبة لمواصلة الصعود
ورغم أن الذهب في طريقه للوصول إلى 4000 دولار، يرى مكلون أن السوق قد يحتاج إلى محفّز جديد، مرجحًا أن يكون هذا المحفّز هو تصحيح حاد في أسواق الأسهم الأمريكية التي بلغت مستويات قياسية، إذ أن أي تراجع في الأسهم سيدفع المستثمرين أكثر نحو الذهب كملاذ آمن.
وأوضح أن الذهب تجاوز الآن متوسطه المتحرك لـ60 شهرًا بنسبة 70%، وهو مستوى لم يُسجّل منذ عام 2011 عندما اخترق المعدن لأول مرة حاجز 2000 دولار للأوقية، ومع ذلك، يرى الخبير أن هناك مجالًا إضافيًا للارتفاع، إذ يبلغ نسبة الذهب إلى مؤشر S&P 500 حاليًا نحو 0.56، وهي أقل من ذروة عام 2020 التي وصلت إلى 0.69، ما يعني أن الذهب لا يزال أقل من قيمته النسبية مقارنة بالأسهم.
وأضاف مكلون:”الوصول إلى 4000 دولار قد يتطلب ارتفاع هذه النسبة، وهو ما يعني احتمال تفوّق الذهب على الأسهم في الأداء، خاصة إذا بدأت الأسواق في تسعير تباطؤ اقتصادي أو ركود قادم.”
وأكد أن نبرة الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب، وما تشهده السياسة النقدية من خفض أسعار الفائدة، تُوفّر أرضية خصبة لمواصلة ارتفاع الذهب كتحوّط ضد ضعف العملات الورقية وتقلّبات الأسواق.
الفضة: الزخم قوي.. لكن الأداء أقل من الذهب
وفيما يخص الفضة، أشار مكلون إلى أنها سجلت مستويات هي الأعلى منذ 14 عامًا متجاوزة 44 دولارًا للأونصة، لكنها تتراجع نسبيًا أمام الذهب، مع بقاء نسبة الذهب إلى الفضة عند 85 نقطة، ما يُشير إلى ضعف نسبي في أداء الفضة مقارنة بالذهب.
وقال إن هذه النسبة قد تعود إلى 100 نقطة في حال شهدت الأسهم تصحيحًا قويًا أو دخول الاقتصاد في ركود، موضحًا أن الارتفاع السريع الذي شهدته النسبة في النصف الأول من العام ربما لم يكن إنذارًا خاطئًا، بل إشارة على تباطؤ اقتصادي عالمي محتمل.
وأضاف:”تاريخيًا، غالبًا ما تتبع فترات الركود قرارات خفض الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، والدورة الحالية التي بدأت منتصف سبتمبر قد تكون نذيرًا لمزيد من التباطؤ الاقتصادي، ما سيُعزّز جاذبية الذهب ويحدّ من مكاسب الفضة.”