كتب: وليد فاروق
توقعت مؤسسة “جولدمان ساكس” للأبحاث بقيادة المحللة لينا توماس أن تواصل أسعار الذهب ارتفاعها خلال الفترة المقبلة لتسجل مزيدًا من المكاسب بنسبة تصل إلى 6% إضافية بحلول منتصف عام 2026، مدفوعة بزيادة الطلب من مجموعات رئيسية من المشترين، ما سيدفع المعدن الأصفر إلى مستويات قياسية جديدة.
وأشار التقرير إلى أن السعر المستهدف للذهب هو 4000 دولار للأوقية بحلول منتصف العام المقبل، ارتفاعًا من 3772 دولارًا المسجلة في 24 سبتمبر الجاري، مستندًا إلى عوامل أساسية أبرزها الطلب الهيكلي القوي من البنوك المركزية، وتوقعات التيسير النقدي من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو ما يدعم بدوره تدفقات الاستثمار عبر صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالذهب.
وأوضح التقرير أن المشترين في سوق الذهب ينقسمون إلى مجموعتين رئيسيتين، الأولى هي المشترون القناعيون الذين يشترون الذهب بشكل منتظم بغض النظر عن السعر، استنادًا إلى قناعات اقتصادية أو لأغراض التحوط من المخاطر، وتشمل هذه الفئة البنوك المركزية وصناديق المؤشرات المتداولة والمضاربين الكبار، وهي الفئة التي تحدد تحركات الأسعار على المدى المتوسط والطويل، حيث تشير التقديرات إلى أن كل 100 طن من المشتريات الصافية من هذه الفئة تقابلها زيادة بنحو 1.7% في سعر الذهب.
أما الفئة الثانية فهي المشترون الانتهازيون مثل الأسر في الأسواق الناشئة الذين يدخلون السوق فقط عندما يرون أن الأسعار مناسبة، وغالبًا ما يوفرون دعمًا للأسعار عند التراجع ومقاومة عند الارتفاع.
وذكر التقرير أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال يوليو كانت أقل من المتوسط الشهري لعام 2025، حيث بلغ المعدل 64 طنًا شهريًا مقارنة بالتوقعات البالغة 80 طنًا، مشيرًا إلى أن هذا التراجع يتماشى مع النمط الموسمي الذي يتسم بالهدوء في الصيف، قبل أن تتسارع وتيرة الشراء مجددًا اعتبارًا من سبتمبر.
وأكدت لينا توماس أن النظرة المستقبلية لعمليات الشراء لا تزال إيجابية، حيث يمثل هذا الاتجاه تحوّلًا هيكليًا في إدارة الاحتياطيات منذ تجميد أصول روسيا بالعملات الأجنبية عقب غزو أوكرانيا في 2022، وهو ما دفع البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، إلى زيادة وتيرة شراء الذهب بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بالماضي، في إطار استراتيجية أوسع لتنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الدولار.
وأشار التقرير إلى أن نتائج استطلاع مجلس الذهب العالمي تدعم هذه الرؤية، حيث توقعت 95% من البنوك المركزية زيادة احتياطات الذهب عالميًا خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، بينما تخطط 43% منها لزيادة حيازاتها الخاصة وهو أعلى مستوى منذ بدء المسح في 2018، دون أن تعلن أي جهة نيتها البيع.
كما رصد التقرير ارتفاعًا ملحوظًا في المراكز الاستثمارية الطويلة للذهب في أسواق العقود الآجلة والمشتقات، إذ وصلت رهانات المستثمرين الكبار مثل صناديق التحوط على ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ 2014، ما يعكس موجة تفاؤل قوية تدعم الاتجاه الصاعد، وإن كانت المؤسسة قد حذرت من احتمالات حدوث تصحيحات مؤقتة بفعل تشبع المراكز الشرائية.
وأكد “جولدمان ساكس” أن الذهب يظل أداة تحوط رئيسية ضد المخاطر المالية غير المتوقعة، خاصة في فترات تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، أو في أوقات تصاعد حالة عدم اليقين بشأن السياسات النقدية، مثل الجدل حول قدرة البنوك المركزية على احتواء التضخم، إلى جانب فترات الاضطرابات في جانب العرض مثل صدمات الطاقة.
واستشهد التقرير بفترة السبعينيات التي شهدت قفزة قوية في أسعار الذهب نتيجة الإنفاق الحكومي الأمريكي الضخم وتراجع مصداقية الاحتياطي الفيدرالي، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن قيمة خارج النظام المالي.
كما أشار إلى أن الذهب والسلع كانت من بين الأصول القليلة التي حققت عوائد إيجابية معدلة حسب التضخم خلال أزمة قطع الغاز الروسي عن أوروبا عام 2022، حين سجلت الأسهم والسندات تراجعات في العوائد الحقيقية.
ويرى التقرير أن تنامي استخدام السلع كأداة نفوذ جيوسياسي مع تزايد تمركز الإمدادات عالميًا، خاصة في مجالات الطاقة والمعادن النادرة، يعزز من أهمية السلع والذهب كعناصر تنويع استراتيجي داخل المحافظ الاستثمارية، مؤكدًا أن احتمالية تجاوز الأسعار للمستوى المستهدف عند 4000 دولار تفوق احتمالات تراجعها دونه، في ظل استمرار العوامل الهيكلية الداعمة للطلب وتراجع المعروض النسبي في مواجهة الأزمات العالمية والتحديات الاقتصادية المستمرة.