يحاول الذهب في الوقت الراهن تجاوز مستوى 4000 دولار للأوقية مجددًا، إلا أن محللي بنك “إي إن جي” ING يرون أن فترة الضعف الأخيرة كانت — ولا تزال — جزءًا طبيعيًا من مرحلة تصحيح وتجميع، مؤكدين أن العوامل الأساسية الداعمة للذهب ما زالت قوية.
وفي تحديثهم الشهري، توقّع خبراء البنك أن يبلغ متوسط سعر الذهب نحو 4000 دولار للأوقية خلال الربع الرابع من عام 2025، على أن يرتفع المتوسط إلى قرابة 4100 دولار في الربع الأول من عام 2026.
ويعزون هذه التوقعات إلى استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية، ودور المعدن النفيس كـ ملاذ آمن، إضافةً إلى احتمال عودة تدفقات الاستثمار في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs) مع مواصلة خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
تصحيح صحي لا انعكاس في الاتجاه
من وجهة نظر بنك “إي إن جي” ING، فإن التراجع الأخير في أسعار الذهب بعد الارتفاع القياسي الذي شهده الشهر الماضي يُعد بمثابة تصحيح صحي وضروري في السوق، وليس انعكاسًا في الاتجاه العام.
ورغم هذا التصحيح، فإن الأسعار ما زالت تحقق مكاسب قوية منذ بداية العام، وهو ما يعزز قناعة البنك بأن هذا التراجع يهدف إلى تهدئة المراكز المفرطة لا أكثر.
وفي ظل استمرار التوترات الجيوسياسية والضبابية الاقتصادية عالميًا، يبقى الذهب مطلوبًا بقوة كأداة للتحوط سواء من قبل المستثمرين الأفراد أو المؤسسات.
ويشير البنك إلى أن هذه المرحلة قد تشهد تذبذبًا في الأسعار، لكنها لا تمس العوامل الأساسية الصلبة التي تدعم السوق.
أسعار الفائدة وتدفقات الـETF
يرى المحللون أن توقعات أسعار الفائدة الأمريكية تبقى العامل الأكثر تأثيرًا على المدى القصير.
وقد أدت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، التي لمح فيها إلى أن خفض الفائدة في ديسمبر ليس مضمونًا بعد، إلى تباطؤ الزخم الصعودي للذهب مؤخرًا.
لكن رغم ذلك، تُظهر بيانات FedWatch أن الأسواق ما تزال تتوقع دورة خفض فائدة مستمرة، وهو ما يعني — وفقًا لـ ING — أن تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب ستتراجع، مما قد يشجع المستثمرين على العودة إلى صناديق الذهب المتداولة.
وفي الربع الثالث من 2025، ساهمت هذه التوقعات بالفعل في زيادة ملحوظة في تدفقات الاستثمار، حيث أظهر مجلس الذهب العالمي أن حيازات صناديق الذهب العالمية ارتفعت بمقدار 222 طنًا خلال الفترة بين يوليو وسبتمبر.
كما ظلت مشتريات السبائك والعملات قوية، مما يشير إلى أن المستثمرين الماديين استغلوا التراجع الأخير لزيادة حيازاتهم.
البنوك المركزية: ركيزة الطلب المستقر
يشير تقرير ING إلى أن الطلب من البنوك المركزية لا يزال أحد أهم أعمدة دعم السوق.
فبعد تباطؤ الوتيرة في ربعين متتاليين، عادت البنوك إلى شراء كميات كبيرة من الذهب في الربع الثالث، حيث بلغت صافي المشتريات نحو 220 طنًا، أي بزيادة 28% عن الربع السابق وأعلى بنسبة 6% من متوسط السنوات الخمس الماضية.
ولم يقتصر النشاط على المشترين التقليديين، إذ برزت مؤسسات جديدة تدخل السوق بقوة؛ فـ البنك المركزي الكوري الجنوبي يدرس زيادة احتياطياته من الذهب للمرة الأولى منذ عام 2013، بينما أعلن رئيس صربيا عن خطة لمضاعفة احتياطي البلاد من الذهب تقريبًا بحلول عام 2030.
ويرى ING أن هذا التحول يعكس اتجاهًا هيكليًا جديدًا في سياسات الاحتياطي النقدي، حيث يُمنح الذهب دورًا أكبر كأصل محايد وسريع السيولة.
توقعات المرحلة المقبلة
يتوقع البنك أن يشهد الذهب في الأشهر المقبلة صورة مختلطة ولكنها داعمة عمومًا.
فمن جهة، هناك تصحيح فني طبيعي بعد تسجيل قمم تاريخية، ومن جهة أخرى، عوامل أساسية قوية تواصل دعم السوق:
-
مشتريات البنوك المركزية تشكّل أرضية صلبة للأسعار.
-
الطلب المادي من السبائك والمجوهرات ما زال قويًا.
-
واستمرار خفض الفائدة الأمريكية قد ينعش استثمارات صناديق الذهب مجددًا.
وبناءً على ذلك، يتوقع البنك أن يبلغ متوسط السعر نحو 4000 دولار للأوقية في الربع الرابع من 2025، و4100 دولار في الربع الأول من 2026.
العوامل الحاسمة على المدى القريب
يرجّح ING أن يتحدد الاتجاه قصير المدى بناءً على إشارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في اجتماعاته المقبلة، وبيانات سوق العمل الأمريكي، وأداء الدولار الأمريكي.
فارتفاع الدولار قد يضغط مؤقتًا على الأسعار، لكن البنك يرى أن تراجع العوائد الحقيقية واستمرار الطلب البنكي المركزي سيبقيان الذهب في مسار إيجابي على المدى المتوسط.
على الرغم من العقبات المؤقتة أمام تجاوز مستوى 4000 دولار، يرى بنك ING أن القصة الصعودية للذهب لا تزال قائمة، ويعتبر أن التراجعات الحالية ليست سوى جزء من عملية تجميع صحية، فيما تشكل المشتريات البنكية والطلب المادي وتدفقات الـETF المحتملة قاعدة متينة تدعم أسعار الذهب مع اقتراب نهاية 2025 وبداية 2026.
















































































