«هات الشبكة ولبسني، بس أوعى أيدك تلمسني، لابويا صعب هيحبسني، وادلع يا رشيدي على وش المية».. أغنية ليلى نظمي الجميلة التي كان لا غنى عنها في طقس شهير في ريف مصر، هو طقس تلبيس الشبكة الذهبية، بكل ما يعنيه للفتاة المقبلة على الزواج من فرح، وسحر واستقلال بحياة جديدة وتكوين أسرة.
المصريون كما هى عادتهم في ابتكار كل ما يجلب للإنسانية مناسبات للاحتفال والفرح والبهجة هم من ابتدعوا فكرة أن يهدى العريس لعروسه هدايا تعبيرًا عن رغبته للارتباط بها، وإعزازًا وتكريمًا لها، فى مصر القديمة كانت هذه الهدية حسب قدرة الشاب قد تكون حلي ذهبية وفضية، أو أدوات وأشياء للزينة، أحيانًا من الممكن أن تكون فاكهة، العادة استمرت عبر آلاف السنين في العصور الرومانية، واليونانية، والقبطية والإسلامية، يقال إن الخليفة المعتضد بالله أرسل إلى «قطر الندى» إبنة خمارويه ألف ألف درهم ومئات القطع والهدايا الذهبية على سبيل المهر والشبكة.
الآن طرأ على شكل الشبكة، وقيمتها، التغيير بالطبع ،لكن بقى الجوهر ثابتًا، تقديم هدية ذهبية قيمة للعروس كعلامة على التقدير والاحترام، وكما يقولون فى الريف، «الشبكة قيمة العريس»، وجرى العرف أن يقدم العريس لحماة المستقبل أيضًا هدية ذهبية رمزية مع الشبكة غالبًا خاتم عيار 21.
ورغم أنها قيمة العريس، فإنه لابد من الاتفاق المسبق على قيمتها بالوزن، أو بالنقود، ومن الممكن أن لا يتم الزواج فى حالة فشل الاتفاق.
تبدأ الحكاية عندما يذهب العريس للخطبة، ومعه والده وأقاربه وكبار عائلته فى حالة القبول، وتتم مناقشة أمور الشبكة ومقدم ومؤخر الصداق والقايمة، وما يتبع هذه الأمور، بعد ذلك تتوجه العروسة ووالدتها مع العريس ووالدته والنساء المقدرات الخبيرات فى العائلة للمدينة، للفرجة على الحلي الذهبية في الصاغة، ويكون معهم كبار العائلة، بعد الشراء يقوم كبير العائلة بأخذ النقود من العريس ودفعها للصائغ، وتبقى الشبكة مع أم العروس، وبعد أن يعزم العريس العائلتين والحضور يشترى لعروسه بعض الهدايا ويعود الجميع للبلد.
في اليوم التالى يكون أمام ام العروسة مهمتين الأولى هى الطواف بالشبكة في علبتها القطيفة، ومعها العروس على بيوت الجيران والحبايب لتفريجهم على ما قدر به العريس عروسته، ورفع رأسهم به، والثانية وهى تجهيز رد الشبكة وهو فواكه وحلوى و أطعمة، تذهب هدية لبيت العريس، بعد ذلك يقام حفل كبير لإعلان الخطوبة وتلبيس الدبل والشبكة تقوم فيه أم العروسة بوضع علبة الشبكة في صينية مزينة بالورد، ومعبأة بالشيكولاته، لتفرجها مرة أخرى ويتم لم النقطة وتوزيع الحلوى والشربات.
خطابك كتير .. وقالوللى تستاهلى الدهب واللولى، ربما لم يرد ذكر اللؤلؤ في الشبكة إلا في أغاني محافظة الشرقية، الخاصة بالمناسبة، وعلى مر السنين اختلفت محتويات الشبكة، وإن بقيت الحلي الذهبية هى الأساس، الأحجبة الذهبية، وحلي الراس كانت مهمة في العصر الفاطمي، وفي العصر العثماني، وما تلاه كانت الكرادين على موضة الحلي القادمة من الأستانة، وقصبة البرقع الذهبية هى الأكثر رواجًا، مع التحول لأوروبا كان خاتم الألماس السوليتير، والدبلة المرصعة بالأحجار، هى عنوان الطبقة العليا حتى الآن، أحيانًا كان يُضاف لها سوار ماسي، أما الريف فكان عقد الكهرمان الكارم يدخل فيها كأساس، وفي عشرينات القرن العشرين خلاخيل الفضة، أيضًا كانت عنصر رئيسي في تلك الفترة، وحتى السبعينيات، الكرادين بأنواعها العروش والهلالات والعش وقشر السمك الخ… كانت ضرورة حتى الستينات مع الغوايش والحلق وثلاثة خواتم على الأقل عيار 21 أو بندقي. ظلت الأرياف محافظة على هذا التقليد وكان يلجأ لإضافة بعض القطع من الحلي المقلدة، قشرة الجمل لزيادة الكمية.
في المدن ظهرت الأطواق، وعقود وأساور الثعابين والجنيهات وحلي الفصوص من عيار 18 الأكثر تنوعًا في التشكيل وميلًا للأذواق الغربية.
وفى السبعينات كانت السلسلة الطويلة الكتينة والمصحف أو الدلاية الضخمة مع عدد ثلاثة إلى خمسة غوايش وحلق بدلاية ومحبس بفصوص ملونة، بالإضافة للخواتم كبيرة الحجم المحلاة بالأحجار، وفي المدن أيضًا ظهرت الأساور الضخمة بقفل من الذهب عيار 18، كرافتة وجلد سمك، وكان القفل يُحلى بالماس والزفير والياقوت الأحمر والأزرق، وأحيانًا كان يُضاف ساعة بأستيك من الذهب عيار 18، وفي تلك الفترة دخلت المرأة في الريف والمدن سوق العمل بقوة، كان التفكير عمليًا، أن الذهب أمان للعائلة الوليدة، بعد ذلك شراء الكماليات يأتى على مهل، وفي الأغلب كان يتزوج بالحد الأدنى، أو يكتفى بغرفة في منزل الأهل، تمهيدًا للسفر أو إقامة مشروع.
وفي الثمانينات والتسعينات ظهرت موضة الطقم عيار 18 كوليه وأسورة وخاتم وحلق مع إضافة خاتمين أخرين ومحبس ذهبي، منذ بداية الألفية ومع انحسار موجة عمل المرأة وارتفاع القيم الاستهلاكية والمظهرية لحدها الأقصى، أيضًا ارتفعت متطلبات الزواج على الطرفين، والإغراق المبالغ فيه جدًا فى تجهيز الشقة الضخمة بكماليات، وأدوات غير ضرورية ومواد مستهلكة والإصرار على قاعات الأفراح وجلسات التصوير، تراجعت الشبكة لتصبح ما يعرف بالتوينز، وهو دبلة مرصعة فوقها خاتم من الذهب الأبيض محلى بفصوص ليشبه السوليتير، وأسورة خفيفة انسيال ويكتب مبلغ معين، أو عدد معين من جرامات الذهب في قائمة منقولات العروس، حفاظًا لحقوقها. البعض يقوم بشراء الحلي المقلدة التي تسمى بالذهب الصيني لتلبسها العروس في حفلة الخطوبة على الفستان، وفي الفترة الحالية تصاعدت بعض الأصوات لشراء طقم فضي بديلًا عن الشبكة، وأخرين يهاجمون القلة القليلة، التي ما زالت تحافظ على العادة بدعوى التيسير على الشباب، ويتناسى مروجي هذه الدعاوى أن الشبكة هى بمثابة الأموال المتجمدة، أو المدخرة، كأمان وضمان للزوجين، أو للزوجة فى حالة حدوث أى طارئ او مكروه على عكس الكماليات والاشياء التي بلا قيمة، التي تعج بها منازل المتزوجين حديثًا.
وخداناها بالسيف الماضي
وأبوها ما كانش راضي
وعلشانها بعنا الأراضي
الحلوة إلى كسبناها
خدناها بالملايين
وأهلها ماكانوش راضيين
وحلاوتك يستفندى يا ابن عم البرتقان.