“كلحن الشجن، ونخيل العراق الشامخة وصلابة بغداد المدللة، سارت شجن الجميلي، بين خجلًا وقوة وبين تعب وإرادة، انطلقت من دجلة والفرات من تراب مالح، إلى اسطنبول العشق، ذهبت في رحلة عشق كبيرة جعلتها تكسر عقارب ساعتها، وتسير بصمت وثبات نحو الإبداع، نحو الهدف، الغاية، الحلم الذي أصبح واقعًا.
“دَرستُ الهندسة المعمارية، بناءً على وعد أعطيته لامي منذ الصغر، عندما أكبر سأكون مهندسة عمارة وابني لك بيت أحلامك، أما المجوهرات فهي التحدي والشغف، المجال المعقد، والذي يحمل بين طياته الكثير من الأسرار والخفايا، وأنا فضولية جدًا في تلقي المعرفة”… هكذا قالت مصممة الحلي والمجوهرات العراقية شجن الجميلي في حوارها مع ” عيار 24″.
كرمتها وزارة الشباب والرياضة العراقية أثناء بطولة خليجي 25، وذلك بعد تكليفها بتنفيذ أوسمة البطولة الرسمية.
وقالت الجميلي” تم تكليفي بشكل رسمي قبل أيام معدودة فقط من البطولة، وكان التحدي هو توصيلها للعراق خلال المواعد المحدد، كانت تجربة مثيرة للاهتمام، لأنها تخص نجاح بطولة ينتظرها الشعب العراقي منذ 43 عامًا، وكان لي الشرف بكوني جزءًا من هذا الحدث”.
لم تجد الجميلي، صعوبة في الانتقال من التصميم المعماري لتصميم المجوهرات، إذ كانت تقنيات التصميم إلى حد ما متشابهة، لكن فرق الأحجام والمساحات كان الخلاف، فالتصميم المعماري لبنيات ضخمة يختلف كليًا عن تصميم مفردة صغيرة من الحلي تتزين بها المرأة، كان التحدي لديها في التركيز والإبداع على مساحة عمل صغيرة.
أوضحت الجميلي، أن أصعب التحديات التي واجهتها هو التحاقها بقطاع يحتاج إلى قدرة مالية فائقة، والدخول بدون رأس مال كمن يحفر بالصخر مستخدمًا الإبرة، لكن مع الإرادة والتخطيط، تمكنت من تكوين قاعدة صلبة لاسمها ليس فقط في العراق بل في تركيا أيضًا.
قالت الجميلي” الألم دائمًا يستفز الإبداع بداخلي، ووجعي على بغداد التي تتألم بصمت يثير إبداعي، ويحفز مسيرتي نحو التميز والفن، وأنسج أعمالًا غير تجارية بل تحمل قيمة إبداعي “.
شاركت الجميلي، في كثير من المعارض الدولية التي أقامت في اسطنبول، من خلال الشركات التي تعاونت معها في تنفيذ مجموعات خاصة لها، ومن بينها شركة nokta model في معرض 2019 .
تفضل الجميلي، تصميم القطع التذكارية “الرمزية”، التي تحمل قصة وهدف ، كما تميل إلى استخدام الفضة في أعمالها، أولًا لأنها تجمع بين جميع طبقات المجتمع، فهي صديقة الفقير والغني، والسبب الثاني كونها تحدي، تثبت من خلالها للمستخدم أن القيمة الحقيقية للقطعة، هي ليست قيمة المعدن، وإنما قيمة الفكرة، إذ يمكن لقطعة من معدن بسيط أن تحقق أرباحًا أكثر من أغلى معدن إذا صممت بطريقة احترافية ومؤثرة.
اتجهت شجن الجميلي للتدريس، رغبة منها في تعليم المصممين العراقيين والعرب، ما أتقنته من تصميم المجوهرات، وخاصة تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، فحاولت نقل هذه الخبرة عبر التدريب، مع تسهيل ومساعدة دخول الشباب لمجال تصميم الحلي والمجوهرات.
أوضحت، أن الأسواق العالمية أصبحت تعتمد بشكل كامل على الطباعه الثلاثية الأبعاد، لأنها الأكثر قوة وسرعة وذلك يسهل على الصائغ إنتاج قطع عديدة في فترة زمنية قصيرة، وأيضًا التنوع في اختيار الأفكار والموديلات، لكن الطباعة الثلاثية الأبعاد بالرغم من فائدتها الكبيرة، إلا أنها تساعد البعض في تقليد الأفكار المتداولة بالأسواق بصورة كبيرة في ظل ضعف الرقابة على حقوق المصممين والشركات، حيث لايتم السيطرة على هذا الكم الهائل من الأفكار في أوقات زمنية قصيرة جدًا، تمامًا مثل استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي يمكننا أن نستخدمها بشكل صحيح ونتطور ويمكننا استخدامها بشكل غير أخلاقي، ونضر بحقوق الأخرين.
أضافت، أن السوق العراقي سوقًا عريقًا وقويًا، لكن المنتج العراقي يفتقر إلى ثقة المواطنين، بفعل المنافسة غير الشريفة من قبل بعض التجار، مع انتشار الغش وغياب الرقابة الحكومية على السوق المحلي، ومن ثم تغيب المصداقية بين المستهلك والورشة المصنعة، لكن المنتج المستورد يتمتع ببعض من المصداقية والثقة داخل السوق العراقي.
تابعت، بينما يعد السوق العربي سوقًا قويًا، لكنه يفتقر إلى الجرأة في اختيار الأفكار وبسبب ضعف الرقابة من قبل الدول العربية على موضوع “حقوق الملكية”، لذلك نجد التقليد موضوع أساسي بين الشركات، وبدل من المنافسة تتشابه الأسواق ولايوجد بها تفرد أو تميز بالأفكار .
وعن السوق المصري، قالت الجميلي، “تطلعت بشكل سطحي من خلال معرفتي لبعض الشركات والشخصيات المهمة في مجال صياغة المجوهرات، وسماع أرائهم ومشاكلهم وضعف وقوه السوق من نواحي متعددة ، ولي زيارة قريبًا جدًا إلى أم الدنيا، ومتشوقة لمعرفه المزيد عن مصر”.
ترى الجميلي أن الأسواق التركية يمكن تقسيمها إلى قسمين، سوق ينتج لتركيا وأوروبا، وسوق تركي ينتج للبلدان العربية، وبين السوقين اختلاف كبير، فالأسواق التركية والأوربية تفضل المشغولات الذهبية من العيارات المنخفضة، مثل عيار 14، أما الأسواق العربية، فتفضل المشغولات الذهبية من عيار مرتفعة مثل عيار 18 و عيار 21، كما توجد اختلافات أخرى في شكل الموديلات، حيث تفضل الأسواق التركية والأوربية الموديلات أو الأشكال البسيطة المستوحى من الأفكار الغربية، أما المجتمعات العربية، فتفضل الأنماط المتكررة والمعتادة، والتفاصيل البارزة بالحجم والشكل.
ترجع الجميلي هذه الاختلافات إلى أن المرأة في المجتمعات الغربية تعد الذهب مجرد أكسسوار، أو قطعة للتزين فقط، بخلاف المرأة العربية التي تتخذ من الذهب وسيلة للادخار، وحفظ قيمة الأموال، لذلك فالأبتكار بالأسواق العربية محدود، ليس فقرًا في إمكانيات المصممين أو الشركات بل تحقيقًا لراغبات واحتياجات المستهلكين.
ووجهت النصح للشباب: ” كن”جرئ” في اتخاذ قراراتك ولاتبحث عن التميز في ظل أفكار تقليدية، ممكن أن تكون أغنى رجل بالعالم من دون رأس مال، أذا كانت أفكارك مختلفة ومميزة .”
وأنهت الجميلي حوارها..” كانت البداية في بغداد، ولقبت بأنني نخلة من نخيلها الشامخة سافرت وغبت عنها حيث أنني حتى لا أذكر أسماء مناطقها، لكن هناك وعد بيننا، بأنني سوف أعود وأملئ أسواقها إبداعًا وفنًا”.