كتبت: سهيلة قنديل
يعد فن “الشفتشي” أحد أشكال فنون المجوهرات المصنوع يدويًا، ظهر في القرن السادس قبل الميلاد في اليونان وإتروريا، وبعد ذلك ترسخ هذا الفن في إيطاليا ومصر والهند وأرمينيا، ويشير البعض إلى أنه أحد الفنون المصرية القديمة، والذي نمى خلال الحقبة العثمانية.
كما ازدهرت شعبية فن” الشفتشي” في صناعة المجوهرات خلال عهد الملك إدوارد السابع خلال عصر الفن الحديث، حيث كان الملك إدوارد شغوفًا بعالم الموضة، إذ يُنسب إليه الفضل باعتباره ، صحاب فكرة الجمع بين المعادن الثمينة مثل البلاتين والأحجار الكريمة الثمينة لخلق مظهر أحادي اللون لا يزال يحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم.
وقال هاني ياقوت، أحد صناع الشفتشي، إن كلمة «الشفتشي» كانت تطلق على أنواع من القماش ذات النسيج الرقيق الذى يكشف عما ما تحته، وهى كلمة تركية مقتبسة من كلمة “شفت إشي” بمعنى يشف ما خلفه، حيث إن الأشكال التى تصنع منه تكون مفرغة، وهو شكل من أشكال فن المجوهرات القديم، ويصنع من خيوط ناعمة من الذهب والفضة متشابكة بشكل معقد لإنشاء شكل خفيف الوزن، ثقيل الأسلوب.
في حين يعرف الاسم باللغة الانجليزية بـ filigree ، وهي اختصار لكلمة filigreenالمشتقة من الكلمة اللاتينية filum التي تعني الخيط وحبوب القمح، الكلمات اللاتينية أعطت filigrana باللغة الإيطالية والتي أصبحت في حد ذاتها filigrane في الفرنسية في القرن السابع عشر.
أوضح، ياقوت، أن “الشفتشي” تقنية تستخدم في تصنيع الحلي والمجوهرات بأشكال معقدة، وتستخدم فيها خامات مختلفة القيمة، ما بين النحاس والفضة والذهب، وتعتمد هذه التقنية، على تقطيع السلك المعدنى لقطع صغيرة بأشكال وأحجام محددة حسب التصميم المختار ثم إعادة صياغة هذه القطع عن طريق اللحام لتكون شكلًا متماسكًا كما يحتاج إلي الدقة البالغة للحصول على نتائج مبهرة جد ومتميزة.
أضاف، وتبدأ عملية التصنيع من خلال صهر سبائك الفضة أو الذهب وتحويلها إلى قضبان وشرائح، ثم يتم وضعها داخل آلات تسحب أسلاكًا رفيعة، ويمر عمل الأسلاك الصغيرة بعدة عمليات مثل التلدين، والتقويم، والالتواء، والتسطيح، حيث يتم لف أنواع مختلفة من الأسلاك الرفيعة المصنوعة من الذهب والفضة، وتضفيرها، ولفها، ولحامها، لتكوين القطعة المراد تنفيذها.
تابع، ياقوت، إن هذه الصنعة تتطلب قدرًأ كبيرًا من المهارة والتركيز والصبر، ولسوء الحظ، مع الرقمنة، أصبح الصبر والمهارة من الفضائل التي تكاد تكون غريبة على الحرفيين الشباب لدينا، مما يجعل هذا الفن نادرًا ويحتضر، ونحن، كصناعة للمجوهرات، بحاجة إلى بذل الجهود للحفاظ عليها.
وأشار ياقوت، إلى أنهم يستوحون تصاميم القطع من الفن القبطي أو الإسلامي أو الفرعوني إلى جانب وجود العديد من الأفكار مثل أشكال الحيوانات أو والطيور والأماكن المختلفة.
وأضاف، أن منطقة خان الخليلي تعد من أكثر الأماكن المشهورة بصناعة الشفتشي، وضمت العديد من الورش والمعلمين الذين ربوا أجيالًا في هذه الصنعة، ومن بينها ورشة الحاج حسن هاني ياقوت، وعم سيد إمام،كما كان أبرز رواد هذه الصنعة في خان الخليلي هم، جمال السني وعيد شيحة وسيد إمام، ويوسف العربجي وحسن أمين.
اليوم، العثور على مجوهرات مصنوعة يدويًا بتقنية ” الشفتشي” يعني علينا العثور على صائغ يتمتع بمهارات متخصصة، وحرفية عالية.
قال«ياقوت»، إن الأجيال الجديدة لم تقبل على تعلم هذه الصنعة، نتيجة صعوبتها، بجانب تفضيل الأجيال الجديدة للكسب السريع من مهن لا يبذل فيها جهدًا كبيرًا، لاسيما مع انتشار ” التوكتوك”.
أضاف، إن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الشفتشي تتمثل في قلة العمالة، والوقت المبذول في إنتاج القطعة الواحدة، بجانب انفخاض سعرها مقارنة بالجهد المبذول، ولا يوجد رواج لها سوى من الإقبال من الأجانب الذين يفضلون هذا النوع من الحرف.
ولفت، ياقوت، إلى أهمية توسيع نطاق التدريب على المهن والحرف التقليدية، حيث لا تندثر هذه المهن، مقترحًا بتعليم هذه الحرف للأطفال في دور الأيتام، والإصلاحية، في إطار الحفاظ عليها، والحد أيضًا من نسب البطالة.