يشهد سوق الذهب طفرة غير مسبوقة، بعدما تجاوزت الأسعار حاجز 3579 دولارًا للأوقية خلال تعاملات الأربعاء، مسجلة أعلى مستوى في تاريخ المعدن النفيس، ويأتي هذا الصعود في ظل بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة تحمي أموالهم من تقلبات الاقتصاد العالمي ومخاطر السياسة.
لماذا الذهب الآن؟
لطالما كان الذهب خيارًا مفضلًا في أوقات الاضطراب، إذ يُنظر إليه على أنه أصل أكثر استقرارًا مقارنة بالأسهم والعملات، يقول تيم ووترر، كبير المحللين في شركة KCM Trade الأسترالية: “الأسواق المالية تكره حالة عدم اليقين، وفي مثل هذه الأوقات يصبح الذهب هو الملاذ الأول للمستثمرين.”
ورغم أن المعدن النفيس كان يُحقق في الماضي عوائد محدودة، إلا أن أسعاره شهدت قفزات حادة خلال العامين الماضيين، مدفوعة بتداعيات الحروب في أوكرانيا وغزة، إضافة إلى الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إلى جانب ذلك، يفضّل كثير من المستثمرين الذهب لكونه أصلًا ماديًا يمكن امتلاكه وتخزينه بعيدًا عن المؤسسات المالية والحكومات، ما يمنحه صفة “الملاذ المستقل”.
كيف يستثمر المستثمرون في الذهب؟
تتنوع طرق الاستثمار بين:
-
السبائك والعملات والحُلي: وهو الشكل التقليدي الذي يتيح للمستثمرين الأفراد امتلاك الذهب بشكل مباشر.
-
الأدوات المالية: مثل العقود الآجلة وصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs)، والتي تسمح بالتعرض للأسعار دون الحاجة إلى تخزين المعدن فعليًا.
ويظل الذهب مقومًا بالدولار الأمريكي، ما يجعله يتحرك غالبًا بعكس اتجاه العملة الأمريكية: إذا ضعف الدولار، ارتفع الذهب، والعكس صحيح.
تأثير سياسات ترامب
أدى إعلان ترامب في أبريل عن “تعريفات يوم التحرير” الجمركية على معظم شركاء التجارة الدوليين إلى موجة من القلق بشأن مستقبل التجارة العالمية، لترتفع أسعار الذهب بقوة.
ومؤخرًا، ساهمت هجمات ترامب على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي في دفع الأسعار لمستويات قياسية. فالرئيس الأمريكي يضغط من أجل خفض أسعار الفائدة وإضعاف الدولار لدعم الصادرات.
يقول كايل رودا، محلل الأسواق المالية في Capital.com: “إذا ارتفعت الفائدة، يصبح الذهب أقل جاذبية، لكن إذا خُفِّضت الفائدة، يقل العائد على الأصول الأخرى، فيصبح الذهب خيارًا أكثر جذبًا.”
خارج الولايات المتحدة: العملات تحت الضغط
في بريطانيا واليابان، تراجعت كل من الإسترليني والين وسط مخاوف بشأن تفاقم الديون العامة والأوضاع السياسية الداخلية. هذا التراجع عزز جاذبية الذهب كأداة تحوط ضد فقدان قيمة العملات.
ويضيف ووترر: “حينما تفقد عملتك قيمتها، يصبح الذهب وسيلة فعّالة للحماية من التضخم، لأنه أصل محدود ولا يتعرض للتآكل بنفس طريقة النقود.”
الأمر نفسه ينطبق على دول مثل تركيا ومصر، حيث يظل الذهب وسيلة تقليدية لحماية المدخرات.
الذهب في الحسابات الجيوسياسية
لم يقتصر الطلب على الأفراد فحسب، بل شمل أيضًا الحكومات التي تبحث عن بدائل آمنة للاحتياطيات الدولارية، فقد تراجعت ثقة العديد من الدول – خاصة الخصوم الاستراتيجيين لواشنطن – في السندات الأمريكية تحت سياسات ترامب التجارية، فاتجهت إلى الذهب كخزان للقيمة بعيدًا عن تقلبات السياسة.
قفز الذهب إلى قمة جديدة فوق 3550 دولارًا للأوقية، مدعومًا بمزيج من ضعف الدولار، وتصاعد الحروب التجارية والجيوسياسية، وتزايد فقدان الثقة في المؤسسات المالية والسياسية، ومع ترقب الأسواق لخطوات الفيدرالي الأمريكي وسياسات ترامب الاقتصادية، يبقى المعدن الأصفر الرابح الأكبر من حالة “اللا يقين” التي تخيم على المشهد العالمي.