واصلت أسعار الذهب العالمية صعودها التاريخي، لتلامس مستويات قياسية جديدة تجاوزت 3700 دولار للأوقية، في وقت رفع فيه دويتشه بنك الألماني توقعاته لسعر المعدن النفيس في عام 2026 إلى 4000 دولار، مقابل تقديرات سابقة عند 3700 دولار.
أسباب رفع التوقعات
أوضح البنك في تقرير بحثي أن توقعاته جاءت مدفوعة بثلاثة عوامل رئيسية:
-
الطلب القوي من البنوك المركزية حول العالم، والتي عززت مشترياتها من الذهب كوسيلة تحوط ضد مخاطر العملات الورقية.
-
احتمالات ضعف الدولار الأمريكي خلال العامين المقبلين، في ظل استمرار السياسات النقدية الميسرة وتنامي الضغوط الاقتصادية.
-
توقعات استئناف دورة خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وهو ما يقلل من جاذبية السندات ويزيد الطلب على الذهب كأصل غير مُدر للعائد.
الذهب عند مستويات تاريخية
سجلت أسعار الذهب الفورية مؤخرًا نحو 3727 دولارًا للأوقية، في حين ارتفعت العقود الآجلة لشهر ديسمبر إلى 3,760 دولارًا للأوقية، وفق بيانات رويترز وبلومبرج.
هذه القفزات تأتي في وقت تتزايد فيه رهانات المستثمرين على أن الفيدرالي سيمضي في مسار أكثر حذرًا، مع احتمالية تنفيذ مزيد من خفض أسعار الفائدة قبل نهاية العام الجاري.
تأثير الجغرافيا السياسية
لم يكن العامل الاقتصادي وحده هو المحرك الرئيسي للذهب، إذ تلعب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة دورًا بارزًا في تعزيز مكانته كملاذ آمن، من خلال استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وتصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وما يحمله من تداعيات على أسواق الطاقة وسلاسل التوريد.
كل ذلك يدعم التدفقات الاستثمارية نحو المعدن النفيس، ويزيد من احتمالية استقراره عند مستويات مرتفعة لفترة أطول.
نظرة الأسواق والمستثمرين
ورغم أن الفيدرالي خفّض سعر الفائدة الأساسي لأول مرة منذ ديسمبر الماضي، وأشار إلى إمكانية إجراء خفضين إضافيين قبل نهاية 2025، إلا أن المستثمرين يراهنون على وتيرة أسرع وأكثر عمقًا في سياسة التيسير النقدي، حيث يتوقعون أن تهبط أسعار الفائدة قصيرة الأجل من 4.25% حاليًا إلى أقل من 3% بحلول 2026.
هذا التباين بين توقعات المستثمرين وخطاب الفيدرالي الرسمي يعزز من تقلبات الأسواق، لكنه يضع الذهب في موقع قوة باعتباره الأصل الأكثر أمانًا والأقل ارتباطًا بالتقلبات السياسية والنقدية.
مع رفع دويتشه بنك توقعاته إلى 4000 دولار للأوقية، يتأكد أن الذهب لم يعد مجرد أداة تحوط تقليدية، بل أصبح عنصرًا رئيسيًا في استراتيجيات البنوك المركزية والمستثمرين العالميين، وفي ظل مزيج من السياسات النقدية الميسرة والاضطرابات الجيوسياسية، يبدو أن المعدن الأصفر يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كأقوى أصل استراتيجي في النظام المالي العالمي خلال السنوات المقبلة.