قد يتجه البعض للتخلص من هواتفهم القديمة أو حاسوب المحمول الخاصة بهم، دون أن يدركوا أنهم يتخلصون من كنز خفي يحتوي على ذهب نقي عيار 22 تبلغ قيمته مئات أو حتى آلاف الدولارات.
ماذا لو كان هناك حل علمي مبتكر لاستخراج هذا الذهب بأمان وكفاءة، دون الإضرار بالبيئة أو الاعتماد على عمليات التعدين المدمّرة؟هذا لم يعد حلمًا، بل أصبح واقعًا بفضل اختراقات علمية حديثة في سويسرا وأستراليا قد تُحدث ثورة في أساليب إعادة التدوير واستعادة الموارد.
طريقة جديدة لاستخراج الذهب من النفايات الإلكترونية
النفايات الإلكترونية – أو ما يُعرف بـ E-Waste – ليست مجرد أجهزة بالية. داخل الهواتف الذكية، وأجهزة الحاسوب، والدوائر الإلكترونية، توجد معادن ثمينة أبرزها الذهب عالي النقاء، لكن استخراج هذه المعادن كان في الماضي يتطلب استخدام مواد سامة مثل السيانيد، ما يسبب تلوثًا بيئيًا خطيرًا ومخاطر صحية جسيمة.
اليوم، كشف باحثون عن طرق صديقة للبيئة تتيح استعادة الذهب دون أي أثر سام، حيث طوّر علماء من جامعة ETH Zurich في سويسرا، تقنية تستخلص الذهب عالي النقاء من الأجهزة الإلكترونية دون إحداث أي ضرر بيئي.
وفي أستراليا، نجح فريق من جامعة Flinders في استخدام مادة بديلة للسيانيد تُسمّى TCCA (حمض ثلاثي كلورو إيزوسيانيوريك)، وهي مادة آمنة تُستخدم عادة في تعقيم المياه.
تتميّز هذه الابتكارات باستخدام بوليمر كبريتي ذكي يرتبط فقط بذرات الذهب الذائبة، ليُعاد تسخينه بعد ذلك ويُستخلص منه ذهب نقي 100%، فيما يُعاد استخدام البوليمر نفسه في دورات أخرى، مما يجعل العملية اقتصادية ومستدامة في آنٍ واحد.
ثورة في التعدين وإعادة التدوير
التعدين التقليدي للذهب يخلّف آثارًا مدمّرة على البيئة: تدمير للغابات، تلوث للمياه، وانبعاثات كربونية عالية، أما النهج الجديد القائم على استخراج الذهب من النفايات الإلكترونية، فيُقدّم بديلاً مستدامًا يحدّ من الأضرار البيئية، ويُعزز مفهوم الاقتصاد الدائري، حيث تُعاد المواد إلى دورة الإنتاج بدلاً من التخلص منها.
هذا التحوّل لا يُقلل فقط من الضغط على الموارد الطبيعية، بل يُقلّل أيضًا من البصمة الكربونية لقطاع التعدين، ويمنح العالم فرصة للتحوّل من “استخراج الأرض” إلى “استخراج المدينة”.
فوائد اقتصادية وفرص عمل جديدة
هذه التطورات العلمية لا تخدم البيئة فقط، بل تحمل انعكاسات اقتصادية ضخمة، إنشاء صناعات جديدة في مجال التعدين الحضري (Urban Mining)، وتوفير فرص عمل آمنة ونظيفة في مراكز إعادة التدوير، بعيدًا عن مخاطر المناجم التقليدية.
بجانب تقليل تكاليف التنظيف البيئي والعلاج من التلوث التي تتحملها الحكومات، ودعم الاستقلال الاقتصادي للدول التي تفتقر إلى مناجم طبيعية لكنها تملك كميات هائلة من النفايات الإلكترونية.
وفي ظل بلوغ أسعار الذهب مستويات تاريخية، تأتي هذه الابتكارات في التوقيت المثالي لتشجيع الاستثمار في تقنيات التعدين النظيف.
تحديات المستقبل وآفاقه
رغم الأمل الكبير الذي تحمله هذه التقنيات، فإن تعميمها يتطلب بنية تحتية قوية لإدارة النفايات الإلكترونية، وتشريعات وتنظيمات داعمة لتشجيع إعادة التدوير المستدام، وتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لنقل التكنولوجيا من المختبرات إلى المصانع.
ومع ذلك، فإن هذه التطورات تمثّل خطوة حقيقية نحو مستقبل أخضر، حيث تتحول النفايات إلى موارد ثمينة، وتُصبح التكنولوجيا نفسها جزءًا من حل أزمة المناخ.
ربما حان الوقت لإعادة النظر فيما نعتبره “خردة”، قد تكون الأدراج والهواتف القديمة التي نحتفظ بها كنوزًا غير مكتشفة،
فكل جهاز قديم قد يُخفي داخله ذهبًا نقيًا، ومع التقنيات الجديدة يمكن استعادته بلا تلوث، وبربحية اقتصادية.
هذه الابتكارات تفتح الباب أمام عصر جديد من التعدين الحضري المستدام، حيث يمكن أن تتحوّل مدننا إلى مناجم حديثة تخدم البيئة والاقتصاد معًا.