أكد أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع في بنك ساكسو، أن تجاوز الذهب لمستوى 4000 دولار للأوقية لا يرتبط فقط بتوقعات خفض الفائدة أو ضعف الدولار الأمريكي، بل يعكس تحولًا أعمق في سيكولوجية المستثمرين وتوجهات رؤوس الأموال العالمية نحو أصول مادية أكثر أمانًا خارج النظام المالي التقليدي.
وقال هانسن في تقريره الأخير: «لقد دخل ارتفاع الذهب مرحلة غير مسبوقة بعد أن شهدت الأسواق الآسيوية اختراق السعر الفوري لمستوى 4000 دولار للأوقية للمرة الأولى، مسجلًا 4050 دولارًا قبل أن يستقر – متحديًا تعافي الدولار وتحفظ الفيدرالي بشأن وتيرة خفض الفائدة المقبلة. هذا الإنجاز يختتم موجة صعود استمرت عامًا كاملًا، أعادت تشكيل فهم الأسواق لعوامل تسعير الذهب، وربما أعادت تعريف مفهوم الأمان لدى المستثمرين».
تحوّل استراتيجي في سلوك المستثمرين
يرى هانسن أن تجاوز الذهب لحاجز 4000 دولار لا يعكس مجرد رهانات على السياسة النقدية، بل تحوّلًا هيكليًا في توجهات المستثمرين في ظل عالم أكثر انقسامًا، حيث أدى تسييس الأسواق والأنظمة المالية الغربية إلى تآكل الثقة في الأصول التقليدية مثل الدولار الأمريكي وسندات الخزانة.
وأشار إلى أن العقوبات وتجميد الأصول والمخاوف من استدامة العجز المالي دفعت المؤسسات المالية والبنوك المركزية إلى التحوّط عبر أصول مادية خارج النظام المالي، وعلى رأسها الذهب.
نقطة التحوّل: 2022 وبداية عصر جديد للذهب
يعتبر عام 2022 نقطة التحوّل الكبرى، حين جمدت العقوبات الغربية احتياطيات البنك المركزي الروسي، بينما بدأت الصين زيادة حيازاتها من الذهب بشكل متسارع.
ومنذ ذلك الحين، أضافت البنوك المركزية أكثر من 1000 طن سنويًا إلى احتياطياتها – وهو أعلى معدل في التاريخ – تبعها المستثمرون الأثرياء والمؤسسات بتدفقات قوية إلى الذهب المادي وصناديق المؤشرات المدعومة بالسبائك.
وقال هانسن: «السوق لم يعد تحت سيطرة الأموال المضاربة قصيرة الأجل، بل أصبح مدفوعًا بطلب هيكلي دائم للأمان. العلاقة العكسية التقليدية بين الذهب والعائد الحقيقي الأمريكي ضعفت بشكل ملحوظ، مما يؤكد أن قوى سياسية ومالية واستراتيجية أصبحت تتحكم في الاتجاه».
تراجع الارتباط بالعوائد الحقيقية الأمريكية
على مدى عقود، ارتبط الذهب بعلاقة عكسية مع العوائد الحقيقية؛ إذ كانت الأسعار تهبط عندما ترتفع العوائد، وترتفع عند انخفاضها، لكن هذه العلاقة بدأت تتآكل منذ 2022، حيث فشلت دورة التشديد العنيفة من الفيدرالي (برفع الفائدة 525 نقطة أساس في 17 شهرًا) في كبح صعود الذهب، بسبب مشتريات البنوك المركزية والطلب الصيني القوي الذي عوّض عمليات البيع الغربية.
وحين فشلت محاولات كسر السعر دون 1615 دولارًا أواخر 2022، بدأ تعافٍ تدريجي تُوّج في مارس 2024 باختراق مستوى 2075 دولارًا الذي شكّل سقفًا سعريًا لثلاث سنوات. ومن هناك، انطلقت موجة صعود قوية بدعم تدفقات مؤسسية وفردية جديدة.
صعود شامل للمعادن النفيسة
لم يقتصر الزخم على الذهب فقط؛ فمنذ بداية العام، ارتفع الذهب بنسبة 52%، والفضة بنسبة 64%، والبلاتين بنسبة 86%، فيما صعد البلاديوم بنحو 50%، ويشير هذا إلى تحول أوسع نحو الأصول المادية، وليس مجرد قصة تخص سلعة واحدة.
الصين في قلب المشهد
أوضح هانسن أن الطلب الصيني يمثل ركيزة أساسية لهذا الصعود، driven largely by عوامل داخلية، فمع هبوط أسعار العقارات لأول مرة منذ جيل، اتجهت الأسر الصينية نحو الذهب كبديل استثماري، مدعومة بحملات من الإعلام الرسمي تروّج له كملاذ آمن.
ويزيد من قوة هذا الاتجاه أن الذهب المستورد إلى الصين لا يُعاد تصديره، ما يعني تدفقًا أحادي الاتجاه يمتص الإمدادات العالمية ويُبقي الأسعار مرتفعة.
وأشار هانسن إلى أن إعادة فتح بورصة شنجهاي للعقود الآجلة غدًا بعد عطلة «الأسبوع الذهبي» ستكون اختبارًا حاسمًا لمدى حماسة المستثمرين الصينيين، حيث يُتوقع أن تفتح الأسعار بزيادة 6%، ما قد يضخ زخمًا إضافيًا في السوق العالمية.
الذهب يثبت فوق 4000 دولار
يواصل الذهب الفوري التداول بثبات فوق 4000 دولار للأوقية، إذ سجل صباح الأربعاء 4043.16 دولارًا بارتفاع 1.48%، مع نجاحه في اختبار مستوى 4030 دولارًا عدة مرات كمستوى دعم قوي، مما يؤكد متانة الاتجاه الصاعد.