تشهد الفضة مؤخرًا أداءً قويًا ومتصاعدًا، ما دفع العديد من المستثمرين للتساؤل عما إذا كان المعدن الأبيض قد يقترب من مستوى 50 دولارًا للأوقية.
ورغم أن هذا الهدف يبدو طموحًا، إلا أنه ليس مستبعدًا في ظل سوقٍ تتضافر فيه عوامل الطلب الصناعي والظروف الاقتصادية الكلية وتدفقات المستثمرين لدفع الأسعار نحو مستويات أعلى.
في عام 2025، تجاوزت الفضة العديد من التوقعات، إذ ارتفعت من حوالي 30 دولارًا للأوقية إلى أكثر من 47 دولارًا في جلسات التداول الأخيرة، في صعود يعكس تلاقي عوامل هيكلية ودورية تدعم الاتجاه الصاعد.
هوية مزدوجة تمنح الفضة دفعة قوية
تتمتع الفضة بصفة فريدة كونها معدنًا ثمينًا وصناعيًا في الوقت نفسه، ما يمنحها القدرة على الاستفادة من الطلب الاستثماري كملاذ آمن ومن الطلب الصناعي في آنٍ واحد، لتشكل بذلك رياحًا داعمة مزدوجة.
وقد ساهم الطلب القوي من صناعات الألواح الشمسية والإلكترونيات ومكونات السيارات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة الخضراء في تعزيز الطلب الأساسي على الفضة بشكل كبير.
قيود العرض تُضخّم تحركات الأسعار
في المقابل، يعاني العرض من صعوبة مواكبة الطلب، إذ تشير تقارير متعددة إلى وجود عجز مزمن في سوق الفضة، حيث يفوق الاستهلاك الكلي حجم الإنتاج، خصوصًا في القطاعات الصناعية.
ولأن معظم إنتاج الفضة يأتي كمُنتج جانبي لاستخراج معادن أخرى مثل النحاس والرصاص والزنك، فإن زيادة إنتاجها تظل محدودة حتى مع ارتفاع الأسعار، ما يجعل العرض غير مرن نسبيًا.
وبالتالي، فإن أي زيادة في الطلب تنعكس بشكل مباشر على الأسعار، خاصة في ظل عجز هيكلي يجعل السوق حساسًا لأي تغير في الاستهلاك أو الاستثمار.
السياسات النقدية تدعم المعادن الثمينة
على الصعيد الكلي، ساهمت التوجهات النقدية العالمية في تعزيز جاذبية الأصول غير المدرة للعائد مثل الفضة.
إذ أدى ضعف الدولار الأمريكي في فترات متعددة إلى جعل الفضة (المسعّرة بالدولار) أكثر جاذبية للمشترين من خارج الولايات المتحدة.
كما أن توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي خفّضت تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الأصول غير المدرة للعائد، ما جعلها أكثر تنافسية مقارنة بالسندات والنقد.
فعندما تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية، تصبح الأصول التي لا تقدم عائدًا أكثر جاذبية مقارنة بالأدوات المالية ذات العائد المتناقص.
تدفقات المستثمرين تعزز الاتجاه الصاعد
شهدت صناديق الاستثمار المدعومة بالفضة، مثل صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs)، تدفقات قوية مع توجه المستثمرين نحو المعادن الثمينة في ظل الزخم المتصاعد.
نسبة الذهب إلى الفضة تدعم إعادة التقييم النسبي
يُنظر إلى نسبة الذهب إلى الفضة باعتبارها مؤشرًا على القيمة النسبية.
وعندما تتسع الفجوة بينهما، يرى المستثمرون أن الفضة أصبحت “رخيصة” نسبيًا مقارنة بالذهب، ما يدفعهم إلى التحوّل نحوها.
وفي الربع الأول من 2025، كانت الفضة متأخرة نسبيًا عن الذهب، إلا أنها لحقت بالركب منذ أبريل وبدأت تتفوق في الأداء، ما شجع المستثمرين على إعادة توزيع محافظهم من الذهب إلى الفضة للاستفادة من الرافعة السعرية.
تحليل فني وديناميكية الزخم
مع تجاوز الفضة لمستويات مقاومة مهمة وتسجيلها قممًا جديدة، تزداد عمليات الشراء الناتجة عن أوامر الإيقاف واستراتيجيات التداول الآلي، ما يعزز الاتجاه الصاعد.
شروط بلوغ مستوى 50 دولارًا
رغم أن الوصول إلى 50 دولارًا قبل نهاية العام يبدو طموحًا، فإنه ممكن إذا توافرت مجموعة من الشروط:
-
استمرار ضعف الفائدة واستقرار العوائد الحقيقية عند مستويات منخفضة.
-
بقاء الطلب الصناعي قويًا مدفوعًا بالنمو في قطاعات الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية والإلكترونيات.
-
استمرار قيود العرض أو حدوث اضطرابات إنتاجية.
-
بقاء تدفقات الاستثمار قوية عبر الصناديق والمؤسسات.
المخاطر والتوقيت
يرى المحللون أن بلوغ مستوى 50 دولارًا يعتمد على تزامن هذه العوامل.
لكن ينبغي الانتباه إلى أن القمة السابقة في أبريل 2011 عند 49.81 دولارًا تمثل مستوى مقاومة تاريخي، وقد تشهد الأسعار تصحيحات مؤقتة قبل تجاوزه.
كما أن المضاربات المفرطة قد تؤدي إلى تصحيحات حادة إذا لم تدعم الأساسيات هذا الارتفاع، وهو ما يجعل إدارة المخاطر أمرًا بالغ الأهمية.