يشهد سوق الذهب طفرة تاريخية غير مسبوقة، إذ اقترب سعر الأوقية من حاجز 4000 دولار للمرة الأولى في التاريخ، مدفوعًا بموجة من الطلب المحموم من المستثمرين والبنوك المركزية وسط مخاوف متزايدة من الركود التضخمي وانهيار الثقة في النظام النقدي العالمي.
صعود قياسي منذ بداية العام
منذ مطلع عام 2025، قفز الذهب بنحو 50%، وهي أعلى وتيرة ارتفاع منذ عام 1979، فيما صعد خلال شهر سبتمبر وحده بنسبة 11.9%، مع تراجع قيمة الدولار الأمريكي بأكثر من 10% خلال الفترة نفسها.
هذا الأداء القوي للذهب يعكس ما وصفه محللو الأسواق بـ «الخوف من تفويت الفرصة» (Gold-Plated FOMO)، حيث يتسابق المستثمرون والمؤسسات إلى اقتناء المعدن النفيس خوفًا من ضياع فرصة الربح في ظل تراجع العائد الحقيقي للأصول الأخرى وازدياد القلق من موجات تضخمية طويلة الأمد.
موجة شراء غير مسبوقة من البنوك المركزية
تؤكد البيانات أن البنوك المركزية حول العالم، خصوصًا في الأسواق الناشئة، تقوم بشراء كميات قياسية من الذهب لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع احتياطاتها من العملات الأجنبية.
وقد تجاوزت صافي التدفقات في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs) حاجز 60 مليار دولار خلال 2025، في أكبر زيادة سنوية منذ بدء تسجيل البيانات.
دوافع جيوسياسية واقتصادية
يأتي هذا الارتفاع على خلفية مجموعة من العوامل المحفزة، تصاعد التوترات الجيوسياسية في كل من أوكرانيا وغزة، إلى جانب حروب التعريفات الجمركية، وأزمة الديون الأمريكية المتفاقمة، حيث تجاوزت الفوائد على السندات طويلة الأجل مستويات حرجة، بلغت 4.13% لعائدات السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات، و4.71% لعائدات السندات لأجل 30 سنة، بجانب مخاوف من أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خفض قيمة عملتها عبر التوسع في المعروض النقدي لتخفيف عبء الدين العام، الذي قفز إلى أكثر من 36 تريليون دولار.
الملاذ الآمن الوحيد
في ظل هذه الظروف، أصبح الذهب الملاذ الآمن الرئيسي أمام المستثمرين، متفوقًا على الأسهم والسندات والعملات الرقمية، إذ يُنظر إليه الآن باعتباره أصلًا استراتيجيًا وليس مجرد أداة تحوط مؤقتة.
وتتوقع تقارير بنك أوف أمريكا أن يبلغ سعر الأونصة 4000 دولار قريبًا، مدفوعًا بتزايد الطلب الاستثماري والمؤسسي واستمرار الأزمات السياسية والاقتصادية.
تحولات في استراتيجيات الاستثمار
يشير محللون إلى أن موجة “الخوف من تفويت الفرصة” لم تعد تقتصر على المستثمرين الأفراد، بل امتدت إلى الصناديق السيادية وصناديق التقاعد التي تعيد هيكلة محافظها باتجاه نماذج جديدة تشملK 60٪ أسهم / 20٪ سندات / 20٪ ذهب، بدلاً من النموذج التقليدي 60/40.