حذّر محللو شركة Heraeus Metals الألمانية من أن سوق المعادن النفيسة يُظهر «إشارات تحذيرية قوية» بعد أن دخل كل من الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم في منطقة «تشبّع شرائي حاد» وفقًا لمؤشرات فنية رئيسية، في ظل استمرار الارتفاعات الحادة منذ مطلع الربع الرابع من 2025.
الفضة في مقدمة التحذيرات: RSI عند أقصى درجاته منذ 14 عامًا
ذكرت الشركة في تقريرها الأسبوعي أن الفضة تجاوزت الأسبوع الماضي مستوى 51 دولارًا للأوقية للمرة الأولى في تاريخها، قبل أن تواصل صعودها إلى 52.07 دولارًا يوم الإثنين، مسجّلة زيادة يومية بلغت 2.7%.
وأضاف التقرير أن صعود الفضة «الرأسي تقريبًا» أطلق سلسلة من الإشارات التحذيرية على المستويين الفني والهيكلي، إذ بقي مؤشر القوة النسبية RSI في نطاق التشبّع الشرائي منذ أغسطس، وبلغت مؤشرات التذبذب (ATR) أعلى مستوياتها منذ 14 عامًا، وانحرف السعر بشكل حاد عن متوسطه المتحرك لـ200 يوم، في ظاهرة لم تحدث منذ فقاعة ما بعد جائحة كورونا عام 2020، والتي تبعها هبوط بنسبة 27% خلال شهرين فقط.
أزمة سيولة و«تراجع زمني» في سوق العقود الآجلة
وأضاف التقرير أن المنحنى الزمني لعقود الفضة في بورصة CME دخل في حالة «تراجع سعري» — أي أن الأسعار الآجلة أصبحت أقل من الأسعار الفورية، وهو مؤشر على شح شديد في السوق المادي.
وأشار إلى أن عقود ديسمبر 2025 تتداول بخصم يتجاوز 4% عن السعر الفوري، ما يعكس ضغوطًا هيكلية على الإمدادات.
كما أوضح أن إدراج الفضة مؤخرًا ضمن قائمة المعادن الحرجة الأمريكية زاد من الطلب الاستثماري عليها، وأدى إلى ارتفاع التدفقات إلى مخازن كومكس (COMEX) التي بلغت مستوى قياسيًا عند 532 مليون أوقية، بينما تراجعت مخزونات سوق لندن LBMA إلى 790 مليون أوقية، بانخفاض 30% عن ذروتها في 2021.
تحركات الصناديق الاستثمارية: جني أرباح ثم عودة شراء قوية
شهدت صناديق ETFs تخارجًا بنحو 7.6 مليون أوقية في بداية الأسبوع نتيجة جني الأرباح، لكن هذا الانخفاض تم امتصاصه سريعًا بعد موجة شراء جديدة بلغت 8.3 مليون أوقية، ما دفع الأسعار مجددًا إلى مستويات قياسية.
وتشير هيريوس إلى أن أسعار الإيجار لشهر واحد في السوق الفعلية قفزت إلى 8% مطلع أكتوبر، ما يعزز فكرة أن السوق «مشحونة ماديًا ومضاربيًا إلى أقصى حد».
الذهب أيضًا في منطقة تشبّع شرائي
لم تكن الفضة وحدها في دائرة التحذيرات؛ فقد أكدت هيريوس أن الذهب والبلاتين والبلاديوم تجاوزت جميعها متوسطاتها المتحركة لـ200 يوم «بفارق مقلق»، ما يجعلها عرضة لتصحيح محتمل.
الذهب يتداول حاليًا أعلى بنسبة 20% من اتجاهه طويل المدى، بعد أن سجّل 4110 دولارات للأوقية يوم الإثنين، وهو مستوى قياسي جديد، والبلاتين يحافظ على التداول فوق هذا الحد منذ أسبوعين، والبلاديوم بدوره اخترق نفس المنطقة الأسبوع الماضي، مما يثير احتمال تصحيح جماعي في المعادن الأربعة.
وقالت الشركة إن هذه المستويات من المبالغة في الشراء عادة ما تسبق تصحيحات حادة، وأحيانًا بدايات أسواق هابطة في حال غياب دعم أساسي مستدام.
توقعات هيريوس: تصحيح قصير محتمل ضمن اتجاه صاعد
يرى المحللون أن الذهب «عند نقطة انعطاف» بعد ثمانية أسابيع متتالية من المكاسب — وهي فترة صعود نادرة تاريخيًا — وقد يشهد السوق أسبوعًا من التراجع الطبيعي قبل استئناف الاتجاه الصاعد، مشيرين إلى أن أي هبوط بنسبة تتراوح بين 10% و20% سيكون «تصحيحًا طبيعيًا داخل دورة صعود ممتدة».
تُجمع مؤشرات السوق، وفق تقرير Heraeus Metals، على أن أسواق المعادن النفيسة باتت متخمة بالمضاربات، وأن المرحلة الحالية تتسم بمستويات غير مسبوقة من الطلب المادي والمالي المتشابك.
ومع أن الاتجاه العام لا يزال صعوديًا بدعم من ضعف الدولار وتزايد مشتريات البنوك المركزية، إلا أن التاريخ الفني للسوق يذكّر المستثمرين بأن الارتفاعات العمودية غالبًا ما تتبعها فترات تصحيح حادة — لتبقى الحكمة في إدارة المخاطر قبل الاندفاع وراء الأسعار القياسية.