قال عماد سعد، الخبير بأسواق الذهب، إن تجارة الذهب الخام وحوالات الذهب تمثل ركيزة أساسية في منظومة تجارة الذهب بمصر، إذ تعمل كـ«نظام مصرفي موازٍ» داخل السوق، حيث يشتري التاجر من المصنعين نفس عدد الجرامات من الذهب الخام مقابل دفع المصنعية نقدًا.
وأضاف أن الذهب هو رأس المال الحقيقي للتاجر، لذلك يحرص على تعويض ما يبيعه فورًا لضمان استقرار الدورة التجارية، مشيرًا إلى أن تجارة الخام تمثل الوسيط المالي بين المصنعين وتجار التجزئة.
إعادة تدوير الذهب وتراجع المبيعات
وأوضح سعد أن المشغولات المستعملة (الكسر) الناتجة عن إعادة بيع المواطنين لمجوهراتهم تُعاد صهرها واستخدامها كخامات جديدة، مما يساهم في توفير خامات محلية وتقليل الاستيراد.
لكنه أشار إلى أن الارتفاع التاريخي للأسعار — إذ تجاوز سعر عيار 21 حاجز 5700 جنيه — أدى إلى تراجع حاد في الطلب داخل أسواق الصاغة وتراجع المبيعات حتى في مواسم الرواج مثل الأعياد والأعراس.
المصانع تتحمل الأعباء للحفاظ على العمالة
قال سعد إن المصانع تواجه أزمة مالية خانقة نتيجة ضعف الطلب وارتفاع تكاليف التشغيل والكهرباء والوقود والخامات، لكنها مضطرة للإبقاء على العمالة الماهرة حفاظًا على جودة الإنتاج وسمعة الصناعة المصرية، مؤكدًا أن فقدان هذه الكوادر يُعد خسارة لا يمكن تعويضها.
وطالب بدعم حكومي يشمل تخفيض الأعباء الضريبية وتسهيل التصدير للأسواق الخارجية لتجاوز الركود المحلي.
أسعار قياسية ودورة صعود عالمية
وأشار سعد إلى أن ارتفاع الأسعار محليًا وعالميًا مدفوع بعوامل عدة، أبرزها التوترات الجيوسياسية، ومشتريات البنوك المركزية، وتراجع الثقة في الدولار، موضحًا أن الأسعار العالمية ارتفعت بأكثر من 53% خلال العام.
وأضاف أن السوق المصري يتأثر بثلاثة عوامل رئيسية: سعر الأوقية عالميًا، وسعر صرف الدولار محليًا، ومستويات العرض والطلب.
ارتفاع المصنعية وتغير أنماط الشراء
أوضح سعد أن الشركات رفعت المصنعية بمتوسط 15 جنيهًا للجرام لمواجهة ارتفاع تكاليف التشغيل، ما رفع التكلفة النهائية للمستهلك بين 60 و200 جنيه في القطعة الواحدة.
وقال إن هذا الاتجاه لم يقلل من الإقبال على الذهب، بل شجع بعض المشترين على التوجه إلى السبائك والجنيهات لتقليل تأثير المصنعية.
وبيّن أن المصنعية ارتفعت 20–30% منذ بداية العام، فيما انخفضت نسبتها من السعر الإجمالي من 10% إلى نحو 3% فقط، ما قلّص هامش ربح المصانع.
اختلاف الأذواق وتنوع الأسواق
لفت سعد إلى أن الطلب الحالي يتركز بنسبة 90% على السبائك والجنيهات، بينما تراجع الإقبال على المشغولات التقليدية، موضحًا أن المصنعين اتجهوا إلى إنتاج قطع خفيفة الوزن تتراوح بين 5 و30 جرامًا لتناسب القوة الشرائية المحدودة.
في المقابل، ارتفع الطلب من القبائل والبدو في مطروح وسيناء والواحات على الأطقم الثقيلة وعيار 24، ما دفع الشركات لتطوير خطوط إنتاج جديدة تناسب الذوق القبلي.
الثقة في الذهب باقية
أكد سعد أن ارتباط المصريين بالذهب متجذر ثقافيًا واجتماعيًا، فهو رمز للزواج والادخار معًا، مشيرًا إلى أن الثقة في المعدن النفيس ازدادت مع تراجع قيمة العملة المحلية، وأصبح الذهب الملاذ الآمن الحقيقي لحفظ القيمة.
وتوقع استمرار الاتجاه الصاعد للأسعار في المدى المتوسط، مع عودة تدريجية للطلب المحلي مع تحسن الدخول واستقرار سعر الصرف.
واختتم حديثه قائلًا إن الذهب سيظل الاستثمار الأكثر أمانًا على المدى الطويل، ناصحًا بشراء السبائك عيار 24 لتقليل المصنعية، بينما تظل الجنيهات عيار 21 الخيار الشعبي الأسهل في البيع والشراء.
ودعا إلى استمرار دعم الدولة للصناعة وتوفير التمويل الميسر للمصانع حتى يستعيد القطاع عافيته ويضمن استدامة واحدة من أعرق الصناعات التراثية في مصر.