رغم ما قد يُقال عن كونه أصلًا دفاعيًا أو ملاذًا آمنًا يُلجأ إليه وقت الأزمات فقط، أثبت الذهب خلال العقود الماضية أنه أكثر من مجرد “مخزن للقيمة”؛ فقد قدم أداءً مذهلًا على مدى زمني طويل، متفوقًا في بعض الأحيان على فئات الأصول الأخرى من حيث معدل النمو المركب السنوي (CAGR)، حتى وسط دورات اقتصادية متقلبة.
مستثمر الذهب… لم يكن خاطئًا
مَن راهن على الذهب، وامتلك النفس الطويل، حصد أرباحًا قوية، فبينما ظل الذهب خارج دائرة الاهتمام الرئيسية للمستثمرين الأفراد – حيث تنصح معظم التوصيات الاستثمارية بعدم تخصيص أكثر من 5-10% من المحفظة له – أظهرت الأرقام أن الذهب كان اختيارًا رابحًا لأولئك الذين راهنوا عليه كخيار استراتيجي طويل الأجل.
- من يوليو 2015 إلى يوليو 2025، بلغ معدل العائد السنوي المركب للذهب %12.16.
-
وعلى مدى عشرين عامًا، منذ 2005، سجّل الذهب 11.51% CAGR.
-
ومنذ يوليو 2000 حتى اليوم، ارتفع الذهب من 200 دولار إلى ما يزيد عن 3,330 دولارًا للأوقية – بزيادة تفوق 1500% في القيمة المطلقة، أو نحو 11.9% CAGR.
نمط الذهب: الصبر يكشف القيمة
اللافت في سلوك الذهب السعري هو أنه يميل إلى فترات من الركود السعري تمتد لسنوات، لكنه عندما يتحرك، يفعل ذلك بسرعة وكثافة. وبينما قد يصبر المستثمرون لسنوات دون عوائد ملموسة، إلا أن المكافأة غالبًا ما تكون ضخمة عند الانفراج.
أداء حديث يتحدى التوقعات
أداء الذهب في الفترة الأخيرة كان لافتًا:
-
ارتفع بنسبة تزيد عن 27% منذ بداية عام 2025.
-
وعلى مدى 12 شهرًا، قفز بأكثر من 40%.
-
ومنذ قاع أكتوبر 2022 (عند 1630 دولارًا)، تضاعف سعر الذهب ليبلغ 3260 دولارًا، خلال أقل من 28 شهرًا.
هذا يعني أن الذهب سجل عائدًا بنسبة 100% تقريبًا في أقل من عامين ونصف، وهي نتيجة لا تقدمها حتى أكثر الأسهم نموًا بشكل مستقر.
أسباب الارتفاع
ارتفاع الذهب يرجع لعدة عوامل والمتغيرات العالمية، من بينها تصاعد المخاطر الجيوسياسية عالميًا، وإقبال البنوك المركزية على شراء الذهب بكثافة، وضعف الدولار الأمريكي وتآكل الثقة به كعملة احتياط مهيمنة، والسياسات المالية والإجراءات الجمركية المثيرة للجدل من قبل إدارة الرئيس ترامب.
توقعات متضاربة… ولكن الارتفاع يهيمن
تتباين توقعات المؤسسات المالية الكبرى حول مستقبل الذهب:
بنك أوف أمريكا يتوقع بلوغ الذهب 4000 دولار للأوقية في 2026، بزيادة 20% عن مستوياته الحالية، في حين توقع جولدمان ساكس تجاوز الذهب 4500 دولار للأوقية بنهاية 2025، وفي المقابل، ترى سيتي ريسيرش أن الذهب ربما بلغ ذروته بالفعل، وتتوقع تراجعه نحو 3100 – 3500 دولار في الربع الثالث من 2025، قبل أن يتراجع بشكل أكبر في 2026.
الهند: الذهب بلا اتجاه منذ شهرين
في السوق الهندية – ثاني أكبر مستهلك عالمي للذهب – بلغ السعر المحلي حاليًا نحو 97,580 روبية، وهو ما يعكس حالة من التحرك العرضي في ظل غياب محفزات محلية، رغم الاتجاه العالمي الصاعد.
أداء الذهب عبر الزمن يعكس حقيقته كأصل استثماري صبور: لا يتحرك كل يوم، لكنه لا يخذلك إن منحته الوقت، فالمكاسب الكبيرة لا تأتي من توقيت السوق، بل من الاستمرارية والثبات.
وبينما تبقى التوصية التقليدية بعدم الإفراط في الاستثمار بالذهب صحيحة – إذ يجب أن يكون جزءًا من محفظة متنوعة – إلا أن تجاهله تمامًا هو تجاهل لأحد الأصول القليلة التي أثبتت قدرتها على تجاوز الزمن، والحروب، والأزمات، والفيدرالي أيضًا.