امتدادًا لسياسته الحذرة، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن تثبيت أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي خلال عام 2025، محافظًا على النطاق المستهدف لسعر الأموال الفيدرالية بين 4,25% – 4,50%، يأتي هذا القرار في ظل مؤشرات اقتصادية متباينة، حيث يواصل البنك المركزي الأمريكي السعي لتحقيق توازن بين مكافحة التضخم والحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي، هذا التثبيت يحمل في طياته دلالات هامة للأسواق العالمية، لاسيما لسوق الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين.
دلالات التثبيت المتكرر:
يعكس قرار الفيدرالي بتثبيت أسعار الفائدة لعدة مرات متتالية قناعة بأن السياسة النقدية الحالية كافية لاحتواء الضغوط التضخمية التي شهدتها الاقتصادات العالمية في الفترة الماضية، فقد تباطأ مؤشر أسعار المستهلك (CPI) إلى 2,7% على أساس سنوي في يونيو 2025، وهو ما يمثل تراجعًا ملحوظًا عن ذروته التي تجاوزت 9% في يونيو عام 2022،[1] بينما بلغ مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (PCE Core) (وهو المؤشر المفضل لدى الفيدرالي) حوالي 2% في مايو 2025 محققًا بذلك المستوى المستهدف.[2]
كما يشير التثبيت المتكرر إلى أن الفيدرالي يتبنى سياسة “الانتظار والترقب” لتقييم مدى فعالية إجراءاته السابقًة قبل اتخاذ أي خطوات أخرى قد تؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، خاصة في ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% في الربع الثاني من عام 2025، متجاوزًا التوقعات التي كانت تشير إلى حوالي 2,3%، ما يعكس تعافيًا اقتصاديًا ملحوظًا، ويدفع نحو تجنب مزيد من التشديد النقدي في الوقت الراهن.[3]
تأثير تثبيت الفائدة على أسعار الذهب:
تتسم العلاقة بين أسعار الفائدة وأسعار الذهب بالتعقيد ولكن يمكن تلخيصها في عدة نقاط رئيسية كالتالي:
- تكلفة الفرصة البديلة: عندما ترتفع أسعار الفائدة، تصبح الاستثمارات ذات العائد الثابت مثل السندات وشهادات الإيداع أكثر جاذبية للمستثمرين. ما يزيد من “تكلفة الفرصة البديلة” للاحتفاظ بالذهب الذي لا يقدم أي عائد دوري.
في المقابل فإن تثبيت أسعار الفائدة يعني أن الاستثمارات التي تقدم عوائد ثابتة مثل السندات لم تصبح أكثر جاذبية بشكل مفاجئ للمستثمرين مقارنة بما كانت عليه من قبل، ويعني أن تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب لم ترتفع، ما قد يقلل من الضغط البيعي عليه، يؤكد ذلك استقرار عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات عند 4,373% في 30 يوليو 2025[4] بعد قرار التثبيت، حيث لم يعد هناك حافز إضافي للمستثمرين للتحول من الذهب إلى السندات بحثًا عن عوائد أعلى بشكل مفاجئ.
- الدولار الأمريكي: غالبًا ما يرتبط ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بقوة الدولار. الدولار القوي يجعل الذهب أكثر تكلفة للمشترين الذين يحملون عملات أخرى، ما يقلل من الطلب عليه.
في المقابل فإن تثبيت أسعار الفائدة قد يحد من مزيد من الارتفاع في قيمة الدولار، ما يوفر بعض الدعم لأسعار الذهب، حيث يظل الطلب على الذهب مستقرًا نسبيًا، وبالتالي يقلل من الضغط على سعره. وهو ما يظهر في الارتفاع الطفيف لمؤشر الدولار (DXY) الذي سجل 99,947 نقطة بعد قرار التثبيت، هذا الارتفاع الطفيف لم يكن كافيًا ليضع ضغطًا على أسعار الذهب.[5]
- التضخم: يُنظر إلى الذهب على أنه أداة تحوط ضد التضخم. فإذا كان الفيدرالي يثبت أسعار الفائدة لأنه يرى أن التضخم يتراجع نحو المستويات المستهدفة، فإن هذا قد يقلل من الحاجة إلى الذهب كأداة للتحوط. ومع ذلك فإن مجرد التثبيت (وليس الخفض)، قد يشير إلى أن الفيدرالي لا يزال حذرًا وأن مخاطر عودة التضخم أو بقائه أعلى من المستهدف قائمة، في هذه الحالة يظل الذهب جذابًا للمستثمرين كحماية محتملة ضد أي مفاجآت تضخمية غير متوقعة.
- الملاذ الآمن والشكوك الاقتصادية: في أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو الجيوسياسي، يتجه المستثمرون نحو الذهب كملاذ آمن، وإذا كان قرار الفيدرالي يعكس قلقًا بشأن النمو الاقتصادي العالمي أو مخاطر محتملة، فإن هذا قد يدعم الطلب على الذهب بغض النظر عن أسعار الفائدة. تثبيت أسعار الفائدة في بيئة غير مستقرة قد يشير إلى أن الفيدرالي يفضل عدم إضافة المزيد من الضغط على الاقتصاد، وهو ما يمكن أن يُفسر كإشارة للمستثمرين بالبحث عن الأصول الآمنة.
التوقعات المستقبلية:
مع تثبيت أسعار الفائدة، من المرجح أن يراقب سوق الذهب عن كثب البيانات الاقتصادية القادمة، خاصة المتعلقة بالتضخم وسوق العمل. أي إشارات على تباطؤ اقتصادي حاد قد تدفع الفيدرالي إلى التفكير في خفض أسعار الفائدة في المستقبل، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي قوي على الذهب. على العكس من ذلك، إذا عاد التضخم للارتفاع بشكل غير متوقع، قد يضطر الفيدرالي لإعادة التفكير في سياساته، ما قد يضع ضغطًا على أسعار الذهب.
بشكل عام، يمكن القول إن تثبيت الفيدرالي لأسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي قد يوفر فترة من الاستقرار النسبي لأسعار الذهب، والتي تتداول حاليًا حول 3275,04 دولارًا للأوقية في السوق الفوري.[6] ومع ذلك، فإن العوامل الكلية الأوسع نطاقًا، مثل التضخم العالمي، قوة الدولار، والتوترات الجيوسياسية (خاصة ما يتعلق بالسياسات التجارية للرئيس ترامب)، ستظل هي المحركات الرئيسية لتحديد اتجاهه المستقبلي، ويظل المستثمرون بحاجة إلى متابعة حذرة للبيانات الاقتصادية والسياسات النقدية لتحديد اتجاهاتهم الاستثمارية القادمة.
[1] Investing.com (2025). الولايات المتحدة الأمريكية- مؤشر أسعار المستهلكين (سنويًا)، متاح على:
https://sa.investing.com/economic-calendar/cpi-733
[2] Investing.com (2025). الولايات المتحدة – مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (شهريا)، متاح على:
https://sa.investing.com/economic-calendar/core-pce-price-index-61
[3] المصدر. (2025). الاقتصاد الأمريكي ينمو بنسبة 3% في الربع الثاني من 2025. متاح على:
[4] Investing.com (2025). عائد سندات الولايات المتحدة أجل 10 سنوات، متاح على:
https://sa.investing.com/rates-bonds/u.s.-10-year-bond-yield
[5] TradingView. (2025). مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، متاح على:
https://ar.tradingview.com/symbols/TVC-DXY
[6] Investing.com (2025). العقود الفورية للذهب دولار أمريكي XAU/USD -، متاح على:
https://sa.investing.com/currencies/xau-usd