كتب: وليد فاروق
واصل الذهب تأكيد مكانته كأقوى أداة للتحوّط في الاقتصاد العالمي، بعدما اخترق حاجز 3600 دولار للأوقية للمرة الأولى في تاريخه، هذا الصعود القياسي لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة عوامل تراكمية؛ من تصاعد الضغوط التضخمية وتراجع الثقة في الدولار، إلى تزايد وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب كبديل استراتيجي لسندات الخزانة الأمريكية.
ورغم أن الارتفاعات المفاجئة الأخيرة بدت لافتة لكثير من المستثمرين، إلا أن المحللين أكدوا أن الأسباب الداعمة لصعود الذهب كانت واضحة طوال الفترة الماضية، فالذهب غالبًا ما يمر بفترات طويلة من الهدوء والاستقرار قبل أن ينطلق بقوة، ومع هذا الارتفاع الأخير تحول مستوى 3500 دولار إلى نقطة دعم رئيسية جديدة، بعدما كانت الأراء تشير إلى أن أسعار الذهب سترتكز لبعض الوقت عند مستوى 3350 دولارًا.
عوامل أساسية راسخة تدعم الصعود
الارتفاع الحالي لا يعكس مضاربات بين المستثمرين، بل يمثل فقدان ثقة متزايد في “الاقتصاد الأمريكي”، مع ارتفاع مستويات الدين الحكومي، وزيادة ضغوط التضخم، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، ومن ثم اتجهت الأسواق للذهب كخيار آمن ووسيلة لحفظ قيمة الأموال لمواجهة هذه التحديات الاقتصادية.
كما لعبت البنوك المركزية دورًا كبيرًا في تعزيز موجة صعود الذهب، في ظل مشتريات قوية، في إطار سياستها في التخلي عن الدولار وتنويع احتياطاتها.
البنوك المركزية في صدارة المشهد
تجاوزت حيازات البنوك المركزية العالمية من الذهب للمرة الأولى منذ عام 1996 حجم استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، حيث تمثل هذه الخطوة بداية دورة جديدة من الطلب السيادي على الذهب، مع إمكانية أن تصل مساهمة الذهب إلى 80% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه، إعلان البنك المركزي في السلفادور هذا الأسبوع عن أول عملية شراء ذهب منذ أكثر من 30 عامًا، باقتناء نحو 13,999 أوقية بقيمة 50 مليون دولار، اللافت أن البنك أوضح أنه موّل الصفقة من عوائد احتياطياته من البيتكوين، والتي ارتفعت قيمتها خلال العامين الماضيين بنحو 400 مليون دولار، لتبلغ حاليًا حوالي 698 مليون دولار.
وفي أوروبا، يعد البنك المركزي البولندي من أبرز المشترين خلال السنوات الأخيرة، حيث رفع احتياطياته إلى 20% من إجمالي الأصول، ورغم توقفه مؤقتًا عن الشراء بعد بلوغ هذه النسبة، إلا أن محافظ البنك آدم جلابينسكي ألمح مؤخرًا إلى إمكانية رفع السقف المستهدف إلى 30%.
توقعات السوق
يؤكد المحللون أن استمرار الطلب السيادي يمنح الذهب قيمة حقيقية مستقرة، وأن الأسعار الحالية – رغم كونها تاريخية – لا تعكس حالة “مبالغة في التقييم”.
وبذلك يواصل الذهب تأكيد مكانته كأهم ملاذ آمن عالمي في ظل اضطراب المشهد الاقتصادي الكلي، مع توقعات بامتداد موجة الشراء من قبل البنوك المركزية خلال الفترة المقبلة.