في خطوة مفاجئة هزّت أسواق المعادن الثمينة، وفي ضوء تركز الصين على تعزيز الإيرادات المحلية أعلنت وزارة المالية الصينية عن إلغاء حافز ضريبي طالما دعم تجارة الذهب في البلاد، وذلك اعتبارًا من الأول من نوفمبر 2025، القرار الذي يمنع تجار التجزئة من معادلة (خصم) ضريبة القيمة المضافة (VAT) عند بيع الذهب المشتَرى من بورصة شنغهاي للذهب، هذا القرار يمثل نقطة تحول كبرى في ديناميكيات أسعار الذهب وتدفقه في أكبر سوق استهلاكي للذهب عالميًا.
الهدف الحكومي: تعزيز الإيرادات في مواجهة التباطؤ
على الرغم من أن الصين هي أكبر مستهلك للذهب في العالم، حيث بلغ إجمالي الطلب فيها على المجوهرات والاستثمار نحو 855 طنًا في عام 2024 (وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي)، إلا أنه لا يمكن فصل هذا القرار عن السياق الاقتصادي الأوسع في الصين.
فمع استمرار الضغوط الناجمة عن ضعف النمو الاستهلاكي العام، وركود قطاع العقارات الناتجة عن تقلص إيرادات مبيعات الأراضي، التي تشكل مصدرًا حيويًا للحكومات المحلية بنسب كبيرة (سجلت انخفاضًا بأكثر من 20% في الفترات الأخيرة)، تجد الحكومة الصينية نفسها في حاجة ماسة لتعزيز الإيرادات المالية:
- الدافع المالي: إلغاء آلية الخصم الضريبي سيعزز بشكل مباشر الإيرادات الحكومية، تبلغ ضريبة القيمة المضافة القياسية في الصين حوالي 13%، وكان تجار الذهب يتمتعون بآلية تسمح لهم بتجنب جزء كبير من هذا العبء على الذهب الخام المشتَرى من بورصة شنغهاي، وإلغاء هذه الآلية سيجعل الذهب يساهم بفعالية أكبر في الحصيلة الضريبية للدولة، هذا التحول يعكس سعي بكين لاستغلال جميع القنوات الممكنة لدعم ماليتها العامة في ظل التحديات الحالية.
- تصحيح السياسات: كان الحافز الضريبي يهدف إلى تشجيع تجارة الذهب وتسهيل تدفقه محليًا، ولكن مع تزايد أهمية الذهب كأداة للادخار والاستثمار في الصين، ربما رأت الحكومة أن الوقت قد حان لتعديل الوضع الضريبي لهذا المعدن الثمين.
التداعيات على المستهلك وسوق التجزئة:
التأثير الأوضح للقرار سيكون على الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة وهي المستهلك الصيني:
- ارتفاع الأسعار: من المتوقع أن يمرر تجار التجزئة عبء ضريبة القيمة المضافة الجديدة على المستهلك النهائي، وهذا يعني أن سعر المجوهرات والسبائك الذهبية الاستثمارية سيشهد ارتفاعًا ملموسًا في السوق الصينية المحلية، بنسبة تتراوح بين 3% و5% في المتوسط حسب طبيعة المنتج وهامش التاجر.
- تراجع الطلب المؤقت: الصين هي المحرك الأكبر للطلب العالمي على الذهب، أي زيادة في الأسعار ستؤدي على الأرجح، إلى انكماش مؤقت في الطلب الاستهلاكي، خاصة في قطاع المجوهرات الحساس للسعر، وهو ما قد يعكس اتجاه نمو الطلب الاستثماري الصيني الذي ارتفع بقوة مؤخرًا.
- ضغط الهوامش الربحية: سيواجه تجار الذهب وتجار المجوهرات ضغطًا على هوامش أرباحهم، ما قد يجبرهم على استكشاف استراتيجيات جديدة، مثل التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية أو تحسين كفاءة سلاسل الإمداد.
الانعكاسات على التجارة العالمية والتدفقات الإقليمية:
على الرغم من أن القرار هو شأن داخلي، إلا أن حجم السوق الصيني يعني أن له تداعيات عالمية لا يمكن إغفالها:
- الأسعار العالمية: أي تراجع كبير ومستدام في الطلب الصيني قد يضع ضغطًا هبوطيًا على الأسعار العالمية للذهب، على الرغم من أن عوامل أخرى (مثل مشتريات البنوك المركزية العالمية، وتخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة، والمخاطر الجيوسياسية) تظل داعمًا قويًا للأسعار.
- دعم إضافي للأسعار: بالرغم من الضغط على الطلب الاستهلاكي، يجب ملاحظة أن مشتريات البنك المركزي الصيني (PBoC) لا تتأثر بالضريبة المحلية، وقد أضاف البنك إلى احتياطاته أكثر من 200 طن من الذهب في عام 2023 وحده، ما يشكل عاملاً داعمًا قويًا للسعر العالمي.
- تدفقات التجارة: قد يؤدي ارتفاع سعر الذهب محليًا في الصين إلى زيادة الاهتمام باستيراد الذهب من أسواق مجاورة ذات رسوم ضريبية أقل (مثل هونج كونج أو سنغافورة)، ما يعيد تشكيل تدفقات التجارة الإقليمية.
- التحوط من التضخم: قد لا يغير القرار من جاذبية الذهب كأصل للتحوط ضد التضخم أو عدم اليقين الاقتصادي لدى المستهلك الصيني، حيث يظل الذهب جزءًا راسخًا من الثقافة الاستثمارية.
الخلاصة والتوقعات:
قرار إلغاء الحافز الضريبي على الذهب في الصين هو تكتيك مالي حكومي يهدف إلى تعزيز الإيرادات وتلبية الاحتياجات المالية قصيرة الأجل على حساب المستهلك المحلي، حيث يمثل نهاية حقبة كانت فيها التجارة المحلية للذهب تتمتع بميزة ضريبية هامة.
في المدى القريب، يجب على الأسواق أن تتوقع ارتفاعًا في الأسعار المحلية في الصين وربما تخفيفًا في حدة الطلب الاستهلاكي، ومع ذلك نظرًا لاستمرار العوامل العالمية الداعمة، فمن المرجح أن تبقى الأسعار العالمية متماسكة، مع تعديل السوق الصيني نفسه تدريجيًا للتعامل مع واقع التكلفة الجديد، باختصار سيغير هذا القرار هيكلة سوق الذهب الصيني، ويرفع تكلفة ملكية المعدن الأصفر بشكل دائم بالنسبة لأكبر قاعدة مستهلكين في العالم، مؤكداً على أولوية بكين لماليتها العامة على حساب الدعم التاريخي للسوق.















































































