قال طاهر المرسي، الخبير الاقتصادي، إن بداية النظام النقدي الدولي الحالي، اعتمدت على قاعدة الذهب، فكانت كل العملات ذات قيمة ثابتة، اعتمادًا على تقييمها بالذهب، فالجنيه المصري مثلًا كان يقيم بحوالي 8 جرامات ذهب، والدولار يقيم بحوالي 0.88 جرام ذهب، وكل عملة مقيمة بوزن ثابت محدد من الذهب، ولم تكن هناك سوق لبيع وشراء العملات بالشكل الحالي، فكانت أهم سمة لعصر نظام الذهب هي ثبات قيمة جميع العملات.
أضاف، لـ ” عيار 24″ ، أن سيطرة نظام الدولار، وتخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب، أو بمعنى أدق التحايل على إعلان إفلاسها، أدى لحدوث معضلة تاريخية، نتيجة ضياع مدخرات الدول.
تابع، ومع فقدان مدخرات الدول من الذهب في الولايات المتحدة، مقابل ورقة الدولار، لم يمكن العودة لمعيار الذهب، نظرًا لاستحالة دفع الولايات المتحدة لما عليها من ذهب للدول، بجانب عدم وجود تحالف دولي قادر على إجبارها على دفع ما عليها للعالم.
لفت، إلى أن المؤسسات المالية والنقدية الدولية اتفقت على اعتماد الدولار في حد ذاته المال الذي يقيم باقي العملات بدلًا من الذهب.
أشار، إلى أن هذه القاعدة الجديدة لم تلق قبولًا لدى بعض القوى العظمى وقتها وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي الذي امتنع عن الموافقة، واكتفى باعتباره حلًا مؤقتًا لحين الاتفاق بشكل نهائي على شكل النظام النقدي المستقبلي، ومع مرور الوقت تورطت الدول أكثر في التعامل بالدولار، ولعبت الديون، والبترودولار أهم الأدوار في تمكين نظام الدولار من الهيمنة والسيطرة المطلقة على التجارة الدولية.
أشار، المرسي، إلى أن العالم لم يعد يتداول به عملة واحدة تعتمد على الذهب سوى الفرنك السويسري، لكن الفيدرالي الأمريكي، وبعض الأعوان الأوروبيين، استطاعوا، دفع سويسرا للتخلي عن معيار الذهب.
أضاف، ومع استقرار نظام الدولار أصبح العالم فعليًا أمام أنواع مختلفة من العملات، تتضمن عملة التسعير، وحلت محل معيار الذهب، وهي الدولار، وعملات تابعة للدولار، تم الاصطلاح على تسميتها بعملات رئيسية، وعملات هامشية.
لفت، إلى أن العملات الرئيسية ومن بينها اليورو، ليست عملة تسعير من نفسها، إذ تقيم بالدولار، وهي عملة منقوصة الصفات الواجبة للعملة والنقد، لكنها تظل على الأقل متمتعة ببعض الامتيازات، في حين العملات الهامشية، عملات لا يتعامل بها في النظام العالمي، حيث تعد عملية التحويل الدولية المعروفة بنظام سويفت نظام تحويل للسلع والمنتجات الحقيقية التي تملكها الدول التي تتعامل بعملة هامشية إلى دولارات، حيث يجب بيع منتجًا أو سلعة أو أصلًا مقابل الحصول على دولار أو يورو أو فرنك أو ين مقيم بالدولار.
أوضح، أن ارتفاع أسعار الذهب أمام الدولار يعد إلى حقيقة مستمرة منذ عجزت أمريكا عن دفع ديونها للعالم، فالقوة الشرائية للدولار حاليًا عند أدنى مستوى لها في التاريخ، حيث هبطت إلى ما يقارب 2.5% منذ إطلاق الدولار في 1913، وفي المقابل العملات الرئيسية تكتسب قيمتها من الدولار نفسه، وبالتالي فالطبيعي أن تكون أضعف من الدولار نفسه، فضعف العملات الرئيسية أمام الدولار ليس لقوة فيها نفسها أمام دولار ضعيف، بل بضعف ذاتي فيها أمام الدولار.
أشار، إلى أن قاعدة الذهب، أو ربط العملة بالذهب يعد السبيل الوحيد للاستقلال الحقيقي للدول، ولا يمكن الحديث عن حرية في ظل الاستدانة بالدولار.
أضاف، أن تجارب العملة الورقية في العالم محدودة جدا، تاريخيًا وجغرافيًا، ولم تصل لهذا الاتساع إلا في آخر 100 سنة في نظام الدولار فقط!
لفت، إلى اختراع العملة الورقية في الحضارات القديمة، وتعد الصين أول من اخترعها، ولم تكن تجربة ناجحة، وحديثًا استعملها الألمان، وأصابهم ما أصاب الأمم السابقة من تضخم وكوارث اقتصادية انهارت على إثره الدولة العظيمة الحديثة.
أوضح، أن الفرنك السويسري ظل مربوطًا بالذهب حتى نهاية القرن العشرين، وو ما منح الثقة في البنوك السويسرية.
أضاف، أن الفرنك كان ورقة، والجنيه ورقة، والدولار نفسه ورقة، وكان يتم التعامل بهم جميعًا في ظل قاعدة الذهب، ولم يكن ربط العملة بالذهب عقبة أمام التعامل، حيث يتصور البعض ضرورة مقايضة المنتجات بالذهب خلال عملية الشراء، وهو أمر غير حقيقي.
أشار، إلى أن ثمة شبهة أخرى غريبة حول حقيقة ربط العملة بالذهب، إذ يقال أن الدولة التي لديها ذهب أكثر يمكنها طباعة عملات أكثر، أو ستكون الأغنى ماليًا، وهذا بالطبع ناتج عن عدم فهم لطبيعة التعاملات التجارية الدولية، ودورة المال في النظام الدولي.
أضاف، أن المال يستخدم في استيراد ما لا تحتاجه الدولة، مما لا تملكه، ولا تنتجه، ومن ثم ينتقل المال من دولة لدولة، وهذا ما ينتج عنه الميزان التجاري، وما يشوبه من عجز أو فائض، إنه نفس ما يحدث مع العملة الورقية
حيث يعد امتلاك الكثير من المال ليس ميزة، لأن المال مجرد ثمن وضامن لتبادل السلع والمنتجات، والمشكلة ليست في الورق في حد ذاتها، ولا في الذهب، والمشكلة الحقيقية تكمن في الاحتكار الرأسمالي الذي يريد الاستيلاء على ثروات وكفاح الشعوب بورقة لا قيمة لها.
ولفت، إلى أن قدرة الدولة على طباعة العملات مستندة على ما تملكه من ذهب، ما كان لدولة أخرى أن تحتكر طباعة عملة العالم وزيادة ديونها إلى 35 تريليون دولار دون حساب أو عقاب، أو إعلان إفلاس، في حين الدول التي لا يمكنها طباعة العملة يتم تدمير اقتصاداتها، وإعلان إفلاسها مقابل الاستدانة ببضعة مليارات لا تساوي 1% من فوائد الدين الأمريكي في اليوم.
أوضح، أن تطبيق القاعدة، أمر خاضع للبحث والنقاش، ووضعت له الكثير من القواعد، والتصورات، لكن القوى الغربية المهيمنة المستفيدة من النظام الحالي الذي يجعلها دولًا فوقية ذات سيادة مطلقة أمام باقي دول العالم، تقف حجر عثرة دون تطبيقه، وتعمل على إحباط محاولات التمرد على عملاتها بكل الطرق، حتى الاغتيال والاحتلال، والعراق، وليبيا، وروسيا، وفنزويلا، و الكثير من الأمثلة نموذج لمن يحاول التفكير في التمرد على نظام الدولار والعملات الرئيسية.
أضاف، أن الصين جمعت أكبر قدر من الدولار ليمكنها التفاوض والاستمرار أطول فترة ممكنة قبل أن تطلق عملتها، وتعتمدها كعملة احتياط دولية في 2015، وبالتزامن مع هذا المسار جمعت أكبر قدر من الذهب، حتى إذا سنحت الظروف، ووصل الدولار لنقطة الصفر، حيث يصل تضخمه لأقصى درجة ممكنة، امتلكت مركزًا قويًا في التفاوض على العملة المقبلة.
ولفت، إلى أن أمريكا نفسها تحاول الآن التخلص من الدولار واستبداله بعملة رقمية، والبنوك المركزية الدولية والفيدرالي وصندوق النقد وبنك التسويات يستعدون لطرح عملة رقمية.